لا يمكن التعامل مع استهداف إسرائيل مستشفيات غزة باعتبارها مجرد نموذج لخروجها الصارخ على كل القوانين الإنسانية والدولية، ومحاولة التغطية على ذلك بحجج واهية، فهذا المسلك الذي لا يصلح معه أي تبرير، هو في الأصل إحدى الوسائل الممعنة في إبادة الفلسطينيين.
واستهداف المستشفيات ليس فعلاً طارئاً على العقلية الإسرائيلية التي تدير الحرب في غزة منذ بدأت، وليس مرتبطاً بمطاردة مجموعات أو أفراد تصرّ على وصمهم بالإرهاب، ولكنّه نهج متأصل في الرد الإسرائيلي على هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ورغم الخسائر التي لحقت بالحركة وبسكان القطاع وبنيانه، لا تزال إسرائيل تتذرع بمطاردة من تزعم أنهم إرهابيون يتحصنون بالمستشفيات، والحقيقة أنها تتعقب أيّ معنى للحياة، وأية محاولة لإعادة بثها في المصابين، نتيجة عملياتها العسكرية.
وهذا الجنوح لإبادة الفلسطينيين جماعياً ليس أيضاً اتهاماً حديثاً لإسرائيل، ومصدره منظمات ومسؤولون دوليون وقفوا على حقيقة ما يجري في القطاع، وامتلكوا شجاعة تسميته باسمه الحقيقي. والشهادة الأحدث في هذا السياق قدّمتها مقررتان أمميتان نالهما ما ينالنا جميعاً من صدمة بفعل الإصرار الإسرائيلي على استهداف المستشفيات وقتل الأطباء والمسعفين، لقتل أيّ أمل في الحياة، وترهيب من بقي صامداً مضحياً بحياته ليحيا من أفلت حتى الآن من الموت.
هذا ما فعلته إسرائيل مع قوافل الغذاء والدواء، وبهجومها عى خيام نازحين وحرقها بحجة أنها تؤوي مسلحين من «حماس»، وقنصها نازحين فارين من الموت إليه، أو محتشدين في انتظار مساعدات.
كل ذلك تقول به إسرائيل إنها لن تنهي وجود «حماس» في قطاع غزة إلا بإبادة كل سكانه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. ولتحقيق هذا الهدف، يزاوج النهج الإسرائيلي بين التخويف والتجويع والقتل في المستشفيات وخارجها وإرهاب الطواقم الطبية إلى حدّ حرق مستشفى، واختطاف مديره من دون أي اكتراث بإدانات أو مناشدات، بل بثقة راسخة في الإفلات من المساءلة والعقاب، حتى ولو في مجلس الأمن.
رداً على مناقشات حول مداهمة مستشفى كمال عدوان، قالت إسرائيل ما هو أكثر من التهمة الجاهزة المكرورة، وهو إيواء المرفق الصحي الواقع في شمال غزة لإرهابيين، وهو أن قواتها اتخذت «إجراءات استثنائية لحماية أرواح المدنيين، بناء على معلومات مخابراتية موثوق بها». والمدنيون المقصودون هنا بالطبع إسرائيليون تتذرع إسرائيل بحمايتهم، لإبادة من تبقى من الفلسطينيين في قطاع غزة، وتراكم أعداد من فقدوا الحياة منهم إلى أكثر من 45 ألف شخص.
لم تقدّم إسرائيل دليلاً واحداً وفق وفولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، على هذه الرواية المعادة الفضفاضة المتناقضة مع المعلومات العلنية المتاحة. والمؤكد أن دعوة تورك إلى إجراء تحقيقات مستقلة وشاملة وشفافة في جميع الهجمات الإسرائيلية على المستشفيات والبنية التحتية للرعاية الصحية والعاملين في المجال الطبي، فضلاً عن إساءة استخدام هذه المرافق، لن تنتهي إلى شيء.
0 تعليق