عشية وغداة كل عام جديد ينشط من يُعرفون بالمنجمين في توقع كيف ستكون السنة القادمة. نقرأ أو نسمع عن أخبار سعيدة قادمة، وبالمقابل نسمع أو نقرأ أيضاً عن توقعات مفزعة، ومعروفة المقولة القائلة: «كذب المنجمون وإن صدقوا»، التي كان يعتقد أنها حديث نبوي شريف، لكن دار الإفتاء المصرية أفتت بأن «المقولة ليست من الأحاديث النبوية الشريفة، وإن كان معناها صحيحاً، فالمنجم يدعي علم الغيب، وليس له تحقُّق من ذلك وإن وقع ما تنبأ به، فهو كاذب في ادعاء علمه، والتنجيم أمر مُحرَّم شرعاً، فهو نوع من الكهانة ويؤول إلى ادعاء علم الغيب الذي استأثر الله به». وفرّقت دار الإفتاء بين التنجيم وعلم الفلك، فالأخير «مبني على الحس والمشاهدة، وهو مطلوب شرعاً على سبيل الكفاية في الأمة، إذ يتوَقف عليه جملةٌ من مصالح الدين والدنيا التي لا تتم إلا بمعرفته ودراسته».
غاية القول هنا: إنه ليس بوسع أحد، مهما بلغت عبقريته، أن يتوقع ما الذي سيحدث بالضبط في قادم السنوات، وإن كانت الكثير من الدراسات المستقبلية تقارب هذه المسألة، حكماً من المعطيات المعاشة راهناً، ووضع سيناريوهات مختلفة لكيف ستسير عليه الأمور في المستقبل، ومن ثم ترجيح بعضها، استناداً إلى مسببات يقدمها أصحاب هذا النوع من الدراسة، ولا بأس أن نُذكّر بتناولنا منذ فترة قريبة لدعوة الفيلسوف الفرنسي إدغار موران إلى الالتفات نحو «اللا متوقع»، والاستعداد له، وليس الركون إلى المتوقع وحده، وهذا الدعوة لا تدخل في باب التنجيم بأي وجه من الوجوه، فهي دعوة علمية خالصة، يحتاجها أهل السياسة وأهل الاقتصاد وأهل العلم، لكي يتحرروا من الوهم بأن تظلّ الأمور تسير وفق ما تشي به ظواهرها، فالمسافة شاسعة بين التمني والواقع.
من يعود للمراجعات ذات الطابع السياسي، وقد دخلنا عامنا الجديد، نراها تتوجه نحو أكثر الأحداث سخونة ومباشرة في محيطنا العربي وفي العالم: العدوان الإسرائيلي على غزة، تطورات الوضع في سوريا، مصير الحرب في أوكرانيا.. الخ، لكن بالمقابل هناك توقعات، أو فلنقل دراسات، تذهب نحو استشراف ما هو مقبل عليه العالم على كافة الصعد، لا السياسية وحدها، خاصة مع تطوّر الذكاء الاصطناعي الذي سيعيد تشكيل صورة العالم وربما الإنسان نفسه، رغم أن هذا الذكاء هو من صنع هذا الإنسان، ولا يقل أهمية عن ذلك الوضع البيئي في العالم الذي قد يتطور إلى أشد السيناريوهات رعباً إذا لم يجر التعامل معه بجدية أكبر، وبخطوات ملموسة تضيق المسافة بين الأقوال والأفعال. ويمكن إضافة الأمن السيبراني كتحدٍ ماثل أمام الأفراد والدول، خاصة مع هيمنة كل ما هو رقمي.
0 تعليق