قد تتباين سبل تعامل الدول العربية مع الإدارة الجديدة في سوريا وردود أفعالها على بعض تحركاتها، وربما يترقب بعض هذه الدول قرارات بعينها لتحدد على أساسها حجم التعامل وطبيعته مع المتغيرات السورية وصُناعها.
ورغم ذلك، فإن المؤكد أن هناك رغبة عربية جامعة في عودة سوريا إلى دائرتها الأقرب وحاضنتها الأصدق والأخلص في نواياها، وهي المحيط العربي.
وهذه الرغبة ليست وليدة المتغيرات الآنية في سوريا، بل هي سابقة على مقدماتها في 2011، ورافقت كل تطوراتها، وحكمت أشكال التعاطي مع النظام السوري السابق، وهي اليوم، أي هذه الرغبة، أكثر جلاءً وسعياً إلى الانسجام مع رغبات الشعب السوري وتطلعاته.
وما يريده الشعب السوري كان، وسيبقى، محور أي تحرك عربي، خاصة أنه أحوج في هذا المنعطف الحرج إلى دعم صادق من أشقائه لا غاية له إلا استقرار سوريا وتحرر قرارها ومستقبلها من قبضة أي طرف إقليمي أو دولي، واتساع هذا المستقبل لكل المكونات من دون تذكية لنيران الانتقام أو تصفية حسابات قديمة، على أن تكون المواطنة خانة الانتماء الأعلى صوتاً مع احترام ما سواها من خيارات عقدية أو فكرية يجب أن تتاح لها فرص الظهور والتعبير عن نفسها من غير أن تكون منطلقات للتفرقة أو تعدد الولاءات.
هذه الصورة المأمولة لمستقبل سوريا عبّر عنها أبناؤها مراراً، وكثير منهم دفع ثمن ذلك، وحثّ العرب النظام السابق على رسم ملامحها على أساس سوري خالص، وكانت وعوده بتنفيذ ذلك أساس خطوات عربية لمعاونته وفتح الأبواب أمامه، لكنّه، كأنظمة أخرى، ضيّع الفرص حتى انتهت الأمور إلى ما يعرفه الجميع.
الأهم من اجترار الماضي القريب وآلامه هو أن يكون ماثلاً بدروسه أمام أعين الجميع حتى لا يتكرر. والمصلحة تفرض مقابلة تحركات الإدارة السورية الجديدة في المسار العربي بحسن ظن، خاصة حين تعلن على لسان وزير خارجيتها سعيها لترميم علاقة سوريا بمحيطها العربي، وهو أمر لا يكفي لتحقيقه التصريحات، بل يجب أن تكون مشفوعة بما يترجمها إلى سياسات واقعية.
والواقعية تعني أولاً الانتباه إلى الفوارق العربية في التعامل مع الملف السوري في مرحلته الحالية، وإن التقى الجميع عند احترام إرادة الشعب السوري وخياراته والحرص على دعمه الذي تحتّمه روابط العروبة.
تأكيد الإدارة السورية على رغبتها في ترميم علاقة سوريا ببقية الدول العربية يعني أولاً اعترافاً بالتصدع الموروث من المرحلة السابقة، ويُخشى أن يتفاقم وأن تتباعد المسافات بينها وبين عواصم عربية لا تزال حذرة في استجابتها للمتغيرات السورية.
من واجب هذه الإدارة أن تسمع، في إطار تحركها العربي، إلى كل طرف، وأن تبدّد مخاوفه بشأن ما قد يعطّل التقارب أو التعاون على النحو الذي يحقق مصلحة الشعوب العربية. ومن واجبها أيضاً أن تفسر لبعض الأطراف العربية إشارات مقلقة كان مصدرها سوريا.
0 تعليق