صاحب السبعين ساعة - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كان ممدوح عدوان (1941-2004) مطحنة كتابة: شعر على رواية على مسرح على ترجمة على صحافة، لذلك سأله ذات يوم أحد أصدقائه: (هل يومك سبعون ساعة؟).
يجيب عدوان بأن الأمر ببساطة «كيف أستفيد من وقتي». يصحو مبكراً عند السادسة، ويعكف على الكتابة التي يسمّيها «الشغل» حتى الواحدة أو الثانية ظهراً. بعد الظهر يتجمّع الأصدقاء إما في بيت أو في مطعم، ولكن ممدوح عدوان في تلك اللحظة يكون قد اشتغل ما بين الخمس أو السبع ساعات.
ومن الرابعة حتى السادسة يأخذ قيلولته التي لا يتنازل عنها أبداً. يستيقظ بعد القيلولة عند السادسة مساء ثم يعاود الشغل (الكتابة أو الترجمة) حتى التاسعة. وما بعد التاسعة لليل والأصدقاء، وبذلك يكون يوم عمله الكتابي والأدبي سبع ساعات على الأقل، لكن هذا اليوم، كما يقول «بالمواظبة والدأب والاستمرارية يصبح سبعين ساعة منتجة».
قال ممدوح عدوان إن الليل بعد التاسعة يكون للسهر والأصدقاء، وكأنه نسي الضحك، وكل من عرف صاحب «الظل الأخضر» يعرف ضحكته الممتلئة المجلجلة حتى لتكاد دمشق تهتز، وهو دائماً بين جمع من أصدقائه، كأن لا أعداء له، أما «ربيعه»، أو «توأمه»، في الشعر والضحك، فكان علي الجندي، الذي لم يكن يومه بسبعين ساعة.
لن أبتعد عن فكرة هذه المقالة، أي الوقت الذي يقول عنه التجار ورجال الأعمال بأنه المال، والبعض يقول إن الوقت هو الذهب أو أغلى من الذهب، وعلى الرغم من أنه لا توجد ولو شعرة معاوية بين المال والذهب وممدوح عدوان إلا أنه صنع إمبراطورية ليست عدوانية من الكتابة.
الكثير من كتّاب العالم الكبار يصحون مبكراً قبل ظهور الشمس، ويعملون على مكاتبهم وفي بيوتهم حتى ما بعد الظهر أحياناً، ولكن الكثير من هؤلاء ليس بالضرورة أن يكونوا غزيري الكتابة، بل المهم هو الانتظام الذي يتحوّل إلى عادة، والعادة التي تتحول إلى إنتاجية.
يظن البعض أن الكتّاب في الغالب هم فئة كسولة تضيق ذرعاً بنظام الوقت، وأن هؤلاء ينامون إلى ما بعد الظهر، وهو ظن خاطئ تماماً، وإذا عدت إلى حَيَوات كتاب في قامة ناظم حكمت، ونيرودا، وجورج أرويل، وماركيز، ونجيب محفوظ، وإبراهيم الكوني تجد أن هؤلاء أكثر التزاماً بالوقت من أي موظف حكومي تقليدي، والأهم، أنهم قليلو النوم.
عرفت حسن شريف عن قرب وعلى نحو شبه يومي تقريباً حين كان بيته في منطقة السطوة في دبي، وقد امتلأت ثلاث غرف من بيته بأعمال فنية أصبحت اليوم كنوزاً تدر الآلاف، بل الملايين من الدولارات، ولم يكن صاحب هذه الغزارة شرهاً أو جشعاً أو لاهثاً وراء مجد أو شهرة أو مال، والأجمل أنه كان قليل النوم، وقليل الطعام، ويكتئب في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس وهو نائم.
شيء ما من غرائز النحل أو النمل أو القزّ في داخل أولئك الذين من قماشة صاحب السبعين ساعة.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق