يرحل المخلصون، فنبكيهم، ويرحل أصحاب القلوب الطيبة فنفتقدهم، ويرحل أهل الكرم والجود في خلقهم فنشتاق لهم، فكيف إذا رحلت روحٌ لم تؤذِ أحداً ولم تكن إلا نسمة طيبة وقلبَ إصرارٍ وإرادةٍ وقدوةٍ، هنا تبكي الوقتَ الذي كان بينكما، ولا تعرف أتعزِّي نفسك، أم تنعى ذاك الذي رحل بهدوء..؟!
أختنا وزميلتنا في الدراسة، نجيبة الحوسني، التي لا أحب أن أقول عنها كفيفة؛ لأني عاصرتها لسنوات في السكن الجامعي في جامعة الإمارات، لم أجد في قصورها الذي ولدت به عائقاً حقيقياً لها، بل كان سببَ نجاحها وتميزها، لم تكن تعترض على قلة وسائل التعلم في وقتها، لم تتذمر يوماً من عدم وجود كتبها بلغة «برايل»، لم تجلس مكتوفة اليدين، لكنها حوَّلت الصعبَ سهلاً والمستحيلَ واقعاً، فقد كانت مثل أي طالبة في كلية الدراسات الإسلامية، لها كتبها بل بعض من المجلدات الكبيرة، التي حولتها بعزيمة وسهر لكتب «برايل» ومن ثم دراستها، كنت أراها وهي تحرِّك يديها على الصفحات الكثيرة وأقول لها دائماً هذه لغة صعبة، فتضحك وتقول لا لأنك لم تتعلميها.
نجيبة تخرّجت في الجامعة وعملت، وتميزت، وكانت ممن يحبون مواجهة الصعاب، فقد عملت في الجنسية والإقامة بدبي، ورغم صعوبة البدايات -ونحن نتحدث عن 20 عاماً مضت- إلا أنها أتقنت مهنتها بسرعة عالية وأثارت إعجاب زملائها ومسؤوليها، بدقة ما تقوم به ولا عجب من ذلك وهي من حوّلت 5 أعوام من حياة الجامعة لإنجاز، ولأنها تستحق، قاموا بترشيحها لجائزة برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز، فكانت جديرة بثقتهم وحصلت من خلاله على الجائزة عن فئة «الجنود المجهولين»، ولم تكن تتوقع النجاح يومها، ولا زلت أذكر اعتلاءها المسرح لتنال التكريم، أذكر فرحة عيونها الغامرة وكلها فخر وحب وتلقت الجائزة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهي تستحق ودونما مجاملة، لم تتوقف وأكلمت مشوارها، وتميزت أكثر، استثمرت في مهاراتها، وفي ثقافتها وعلمها، والمتابع لها يعرف شغفها بالقراءة وحبها للعلم.
نجيبة رحلت منذ أيام عن هذه الدنيا بمرض لم يعطِها وقتاً، لكنه كان الاختبار الأخير من الله عز وجل الذي أحبها فابتلاها، ولأنها من أهل السماء -في نظري- فهي بإذن الله في جنات النعيم، وعند من تحب، عند الله الذي هو أرحم بنا من أنفسنا، أكرمها الله في الدنيا، فكانت عزيزة وقوية وذات بصمة، ندعو الله أن يكرمها ويرفع مقامها ويجعلها مع الصديقين والشهداء.
[email protected]
0 تعليق