هل ستظنّ أن القلم اكتشف للتوّ تيّاراً إخراجيّاً هوليووديّاً في السياسة الدوليّة؟ ما يدعو إلى الذهول هو انطلاء تلوّن الطلاء على فئات كثيرة من الرأي العام العالمي. هذه ثقافة سياسية مختلفة، لا يوصل فيها التحليل الكلاسيكي إلى المبتغى، إذا هو انتهج النظريات المألوفة في العلوم السياسية والاجتماعية، التي تدرّس في الجامعات.
تخيّل المزالق التي يواجهها أساتذة العلوم السياسية، عندما يجدون أنفسهم يصبّون في أدمغة طلاّبهم أشياء لا وجود لها على الصعيد الدولي. يقيناً، هم لا يستطيعون افتتاح الحصة قائلين: «أيها الأعزاء، سنذكّر في عجالة بما جاء في درس الغول، ونتطرق اليوم بالتفصيل إلى نظرية العنقاء». لا شك في أن مناهج الجامعات توضع وتقام على أساس رفع رايات الأوطان علميّاً ومعرفيّاً. فهل يُعقل أن تكون مناهج كليات العلوم السياسية منفصلةً عن الواقع العالمي؟ المشكلة الشائكة هنا هي أن الإمبراطورية التي هي أعظم الدول العظمى، والأشدّ تأثيراً في مصير الكوكب، منذ أمد بعيد، نضت عنها أثواب السياسة والدبلوماسية الكلاسيكيتين، واقتحمت المسرح الدولي بإخراج هوليوودي: الوطواط، السوبرمان، ومن قبلهما طرزان... هل ينبغي للأستاذ أن يفاجئ الدارسين، الذين هم في مكانة بناته وأبنائه، قائلاً: إن القوى العظمى أدخلت الحرب النفسية والخطط الحربية إلى السياسة والدبلوماسية، وفي مقدمتها «الصدمة والترويع». كيف يمكن التبسّط في شرح السيادة، إذا كان النيل من سيادة الدول بالأحابيل والأباطيل، يروّج له في مجلس الأمن، ويحظى بعواصف التصفيق في برلمانات دول عظمى؟
هلودة السياسة لها جانب ساخر تراجيكوميدي، هو أنه محال تطبيقها كبديل للقانون الدولي، وإلاّ صار العالم «فوضى خلاّقة»، لكنها غير خلاّقة. أيّ شأن يبقى للنظريات السياسية، حين يواجه الطلاب أستاذهم، قدوتهم العلمية، بمشهد الجنرال كولن باول، وحزمة شهاداته الأكاديمية، وهو يرفع، في مجلس الأمن، قارورة أسلحة الدمار الشامل العراقيّة التي اعترفوا بعد ذلك بعدم وجودها؟ ما تقتضيه هلودة السياسة هو أن يُعفى خبراء الجغرافيا السياسية من مهمّات التحليل والتعليل، وأن يسند العمل إلى نقاد المسرح والسينما، ليبدوا آراءهم في مدى نجاح القائمين بالأدوار في أدائهم، من حيث جودة التقمّص والمهارات الفنيّة. عندئذ يفوز النجوم بالأوسكار أو السعفة الذهبية.
لزوم ما يلزم: النتيجة الجرسيّة: الأهمّ هو أن هذا الشريط الهوليوودي في السياسة الدولية، يراد له أن يحلّ محل القانون الدولي. كل العالم معنيّ.
[email protected]
0 تعليق