هل اتفق لك ألا تجد بُدّاً من تفسير الأحداث السياسية، إلا عبر الثقافة، في المدارس الأدبية والفنية تحديداً؟
الوقائع الجارية على الصعيد الدولي، قريبه والبعيد، لا يمكن تعبيرها وتدويرها في الذهن، لا بمعنى تبريرها وتمريرها، إلا إذا نظرنا إليها في عداد التيارات التي لا تكترث للضوابط والحدود الكلاسيكية. عندئذ تغدو القرارات والسلوكيات غير قابلة للتحليل بالمذاهب والنظريات التي تُدرّس في كليات العلوم المعنيّة، فلا مناص من مقاربتها كما لو كانت أعمالاً داديّةً، سورياليةً، قصائد بصريةً، موسيقى مونتاج...
لا يحتاج النهار إلى دليل، فالأساليب التي تلوح جديدةً في التعامل مع القانون الدولي، ومع الدول بمختلف أحجامها في مراكز القوى العالمية، ليست جديدةً كليّاً، وإن بدت طارئةً، فقد عرفت البشرية الكثير منها قبل القرن الحالي. المفارقة الغريبة هي أن تلك القوى هي نفسها التي اخترعت مصطلحات لا يستطيع أيّ جهبذ فذّ في القانون الدولي أن يحشرها بين مفردات القانون، أو يدرّسها في جامعة، أو يشرحها ويستند إليها في بحث أو دراسة أكاديمية ذات قيمة علمية، مثلاً: المجتمع الدولي، الشرعية الدولية... مسكين ملك الشمس، لويس الرابع عشر، أطلق عبارة «أنا الدولة» أو بترجمة أدقّ «الدولة هي أنا». تجاوزه الزمن، كان متواضعاً. اليوم انبرى من يقول: «أنا القانون الدولي، أنا فاسخ الأعراف، ناسخ المواثيق، ناسفها، وكل الأرض ملك لي، هي عَقّار لأدوائي، والعقارات عُقار أعاقرها، أمّا مواقف الدول فأريد أن تكون عاقراً لا تنجب ردود فعل مضادّة».
لكن، ثمة من يرى أن التحليل بالمذاهب الأدبية والفنية لا يفي بكل الأغراض، مقترحاً إضافة علم النفس والتحليل النفسي، ويبدو هذا ضروريّاً وكلاماً معقولاً. ثمّة شيء تخفيه الكواليس عن الأنظار. ما تفعله الدول، منذ أقدم العصور، هو ألا تستهدف مجموعةً كبرى من الدول دفعة واحدة. أبسط دليل على ذلك العبارة الشهيرة: «فرّق تسد»، حتى لا تكون حكاية الفيل والقُبّرة، في «كليلة ودمنة» هي العاقبة. لم يعد أحد آمناً شرقاً وغرباً. على علم النفس أن يبدي للعالم ما كان جاهلاً، وأن يأتي التحليل النفسي بالأخبار، وإن لم يُزَوَّد. هل تزعزعت مكانة «الأخضر»، ولم يعد يجدي رفع سقف المديونية؟ هل الدافع ظهور طلائع نظام عالمي جديد لاحت في الآفاق؟ إذا تعطلت لغة الكلام لدى الخبراء الاستراتيجيين فليُرنا أهل التخابر مع النجوم أنباء الفلك.
لزوم ما يلزم: النتيجة التصحيحية: على الأستاذ جوزيب بوريل أن يدرك أن «الحديقة» لم تعد تمتاز بشيء على «الأدغال» أمام عدالة الاستهداف، سواء بسواء.
[email protected]
0 تعليق