مبدعون في مهب النهب.. الإلكتروني - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. ندى أحمد جابر*

في عالم يتنافس في استقطاب آخر التقنيات الإلكترونية يمتد هاجس الذكاء الاصطناعي ليحتل اهتمامات معظم الدول التي تسعى لتكون المركز الأهم في هذا المجال، حيث أقيم في باريس مؤخراً مؤتمر الذكاء الاصطناعي الذي افتتحه بحماس الرئيس ايمانويل ماكرون مطلقاً خطة استثمارية ضخمة بقيمة 109 مليارات يورو.. بهدف تطوير دور الآلة التي تخطت المُساعدة البشرية، إلى المُبادرة في اتخاذ القرارات عنها.. وخاصةً المجالات الفنية والإبداعية باتت الآلة المُنافس الأقوى للمقدرات البشرية سواء في الرسم أو الموسيقى أو الكتابة.. وتُصرف المليارات على تطوير تلك التقنيات وتتنافس في مجال انتهاك الإبداع البشري والتفوق عليه.
من المعروف أن تطوير الذكاء الاصطناعي يبدأ بالمعلومات التي غالباً من تؤخذ من إبداعات بشرية بهدف تزويد الآلات بما يُسهم في تعزيز قدرتها على تطوير نفسها لتزويد المُستخدم بمعلومات غالباً ما تؤخذ من كتب ومقالات من دون استئذان صاحبها.. كل ذلك يتم بعيداً عن حقوق المُلكية الفكرية، حيث لا توجد حتى الآن قوانين صارمة تحمي هذه المُلكية. وفي القمة الأخيرة في باريس طالب مؤلفو الأعمال الفنية والثقافية بضمانات لحماية حقوقهم.
من المعروف أن تطور هذه التقنيات في الذكاء الاصطناعي يثير قلق الممثلين والموسيقيين والكُتاب وسواهم من المبدعين الذين وجدوا أنفسهم في مَهب النَهب المُمنهج في عالم التكنولوجية اللاهثة وراء سرعة الإبهار. علماً أن فرنسا تُعد من أول الدول في العالم التي وضعت قانوناً لحماية حقوق المؤلف. كما أسهمت ال (WIPO) (المنظمة العالمية للمُلكية الفكرية) التابعة للأمم المتحدة في المطالبة بحماية المُلكية الفكرية من انتهاكات عصر التكنولوجيا، إذ لا توجد سوى قواعد وتوصيات لا يفصل فيها القضاء، ولا توجد قوانين واضحة تطال انتهاكات الآلة. وعلى الرغم من الاهتمام الذي أعرب عنه الرئيس ماكرون، لم تُطرح أي قوانين أو بوادر واعدة.
وعلى هامش هذه القمة. دعت 38 منظمة دولية تمثل جميع القطاعات الإبداعية والثقافية في بيان أصدرته إلى التحرك لاتخاذ إجراءات ملموسة للقيام ب «أفعال لا مجرد أقوال». وشدد البيان على «أن لا وجود لذكاء اصطناعي يحترم الأخلاقيات من دون الترخيص الذي يمنحه أصحاب حقوق المُلكية الفكرية».
أتى البيان بعد أن ضَج المُبدعون وحذر أكثر من 34 فناناً فرنسياً من مُختلف القطاعات كالموسيقى والسينما والمسرح والأدب والفنون البصرية وغيرها من السرقة العلنية لأعمالهم داعين إلى إيجاد حلول دائمة وعادلة.. علماً أن القضية ليست جديدة وسبق أن تكلمنا عنها في مقالات سابقة عندما قامت تظاهرات في الولايات المتحدة عام 2023 وكان الإضراب الشهير في مدينة «هوليوود» وفي قطاع ألعاب الفيديو بدعوة من نقابة الممثلين الأمريكيين «ساغ-افترا» (SAG-AFTRA)
وتُعد حقوق المُلكية الفكرية لكُتاب السيناريوهات واحدة من أهم القضايا الشائكة التي تتنافس التقنيات الحديثة على نهبها علناً.. إذ يكفي أن تُعطي تطبيق الذكاء الاصطناعي نسخة من أسلوب كاتب معين وتعطيه فكرة عن قصة ليصوغ لك سيناريو كامل بنفس أسلوب الكاتب ومن دون إذن منه. كما ظهرت حقوق الدبلجة واحدة من القضايا المؤسفة التي أثارت الجدل، إذ يشعر هؤلاء بأن حقوقهم المُتعلقة بالمُلكية الفكرية تُنتهك كل يوم. وأصوتهم تُنسخ أو تُقلد من دون أي تفويض أو إذن منهم ومن دون أي تعويض مالي. وهذا بعض من مآسي المُبدعين نتيجة التهافت على التقدم التكنولوجي من دون التفات إلى الآثار الإنسانية المؤلمة التي يتسببون بها. والمؤسف أكثر أن هذه المطالب ما زالت تقابل بالوعود وبالتجاهل حيال إصدار قوانين صارمة تحفظ حقوق الإبداع البشري أمام استغلال الآلة.
وفي هذا الصدد أعربت الكاتبة الكندية مارغريت أتوود، عن قلقها بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي في حقوق الكُتاب والمؤلفين، مُشيرة إلى أنه يتم استغلال أعمالهم من دون تعويض عادل. كما أعرب الكاتب الأمريكي ستيفن كينغ، عن قلقة من استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء نصوص مشابهة لأسلوبه وهو انتهاك فاضح لحقوقه. والسلسلة تطول من الكُتاب والمُبدعين الذين طالبوا بأكثر من مؤتمر بحماية حقوقهم.
وحتى المنصات الشهيرة مثل (تشات جي بي تي) و(ديب سيك) توفر معلومات وكتابات مُستنسخة عن أسلوب كُتاب آخرين وتُقدمها من دون توفير أي ضمانة لأصحابها مُتسلحة بعدم وجود قوانين واضحة تحمي هذه المؤلفات من تقديمها على التطبيقات الذكية. علماً أن جمعية الأدباء في فرنسا والتي تُمثل المؤلفين من الجهات المَعنية بالذكاء الاصطناعي طالبت باحترام الأعمال التي لا يحق لهم حق استعمالها والتشاور مع أصحاب الحقوق قبل استخدامها.. لكن ذلك يبقى مجرد حبر على ورق في زمن لا حبر فيه ولا ورق.. فقط فضاء شاسع من الفوضى التي تتسابق نحو الآلة لتتفوق على الإنسان.. تلك الآلة التي وُجدت أصلاً لتخدمه لا لتقمع الإبداع فيه وتسرق أجمل ما يملكه العقل البشري من عبقرية الإلهام والخلق.
والجديد المؤسف ما أعلن عن جمعية «اس إيه سي دي» (SECD) المَعنية بالمسرح والسينما توقيعها اتفاقاً مع شركة «جيناريو» الفرنسية لتوفير المساعدة في كتابة السيناريوهات باستخدام الذكاء الاصطناعي، وعلى الرغم من أن الإعلان نص على مَنح المؤلفين (بعض) البدلات المالية، فإن أكثرهم وصفوا هذا الاتفاق غير العادل.. ب«النهب».

[email protected]

* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق