نحو مكتبة لتاريخ الأفكار - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هل توقّف ذهنك يوماً عند هذه الثغرة في المكتبة العربية؟ لا تقل إنها ثغرة لا تسدّ ما اختلف الليل والنهار. لكن يحزّ في النفس أنك إذا نقّبت في ديار المؤلفات الموسوعية الغربية، أذهلتك كثرة المؤلفات في تاريخ الأفكار. في الفلسفة، السياسة، وميادين شتى.
الغريب هو أن الجانب الأكبر من تراثنا، يغلب عليه الطابع التجميعي. أكثريّة «أمهات الكتب»، هي جمع ومراكمة: «صبح الأعشى، محاضرات الأدباء، نفح الطيب، العقد الفريد...» حتى حين يكون يلوح الأمر تخصّصيّاً مثل «الحيوان» للجاحظ، أو شديد التخصص شأن «ليس في كلام العرب» لابن خالويه، الذي لا يعرف حتى الجهابذة، في أيّ طبخة يستعمله.
من المنهجيات البديعة في تاريخ الأفكار، ذلك النمط التصاعدي، الذي نراه في كتب مثل «قصة الفلسفة» لويل ديورانت. المسار من أقدم العصور إلى التاريخ المعاصر، نجده أيضاً في: «تراث الموسيقى العالمية» للأمريكي كورت زاكس. لكن ديورانت طوّح في الآفاق في «قصة الحضارة».
تاريخ الأفكار لقي صدى كبيراً في العقود الأخيرة، في الغرب، فظهرت مجموعات كثيرة في مجالات عدّة، في الطب والعلوم والاستراتيجية العسكرية ومدارس الفنون ومذاهب النقد والأدب وتاريخ الأزياء... بعضها ينتهج التيسير والاختصار، وكأنه دليل المستخدم إيجازاً وتلخيصاً. قف قليلاً عند عبارة «دليل المستخدم». معذرةً إن كنت لا تراها إلاّ مع الثلاجة والغسالة والمكنسة والجوّال، لكن النشء الجديد في حاجة إلى دليل مستخدم في كل مجالات ميراثنا الثقافي، في جميع حقول تراثنا.
لا يكن لديك شك في عجز الجيل الصاعد عن فك رموز لغة العرب في القرون الستة الهجرية الأولى. عربيّتهم لم تكن كالعربيّة اليوم. خذ مثلاً: أليس من حق طالب العلوم وواجبه أن يعرف من هو ذلك الخوارزمي الذي تلهج باسمه الجهات الأربع كلما ذكر الذكاء الاصطناعي؟ هل تتصور أنه قادر على حل ألغاز بضعة أسطر من كتيب «الجبر والمقابلة»، الذي لا يتجاوز ستين صفحة؟
وهل من دليل للمستخدم الذي يطمع في رشفة تشفي غليله إلى معرفة تاريخ الأفكار السياسية التي جادت بها الأرض العربية طوال خمسة عشر قرناً؟ أليس من حق العربي أن يعرف ما هي مقومات الدولة العربية، إذا أرادت الشعوب أن تكون لها هوية تمشي بها في الأرض مرحاً بين الأمم؟
لزوم ما يلزم: النتيجة العجبيّة: سحر مبين أن تكون للناس أدمغة، وليس لهم مكتبة حديثة لغتها عصريّة لتاريخ أفكارهم وأفكار تاريخهم.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق