أعينوا سلطان وأوفوه حقه - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. صلاح الغول*

بعد حضوري لإحدى الأمسيات في مدن إمارة الشارقة، وقبل صلاة المغرب تحديداً، دخلت مسجداً فوجدت فيه مجموعة من الطلاب يتلقون درساً في الخط العربي على يد معلم شغوف، كانت لوحة (كتاتيب) معلقة بجانبه، معلنة عن مشروع يجمع بين الفن والتراث والتعليم، وعندما سألت المعلم عن المشروع، أخبرني بفخر أنه وفي زمن تتقاطع فيه المسؤوليات مع التحديات، تظل المبادرات الخلاقة التي يقودها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، نبراساً يُضيء دروب الأسرة والمجتمع، وأن هذه المبادرة التي أطلقتها دائرة الثقافة في حكومة الشارقة منذ سنوات عديدة بتوجيه من سموه تهدف إلى غرس قيمة الإبداع والهوية وحب العربية في نفوس الناشئة، والتأكيد على الدور التنويري للمسجد في نشر الثقافة العربية الإسلامية والحفاظ عليها.
ورغم أن مستوى الإقبال كما علمت على الأقل في هذا المسجد بين المواطنين لم يكن كما هو مأمول، على الرغم من توافر الإمكانات اللازمة، لفت انتباهي وأثار إعجابي حقاً حضور وانتظام أخوين مواطنين لم يتجاوزا سنّ الخامسة عشرة، يأتي بهما والدهما من منطقة ليست بقريبة، مما يؤكد أنّ شغف التعلم والاستزادة لا يعرف حدوداً، لم أستطعْ مقاومة الفضول والتعرف إلى قصة هذا الأب الذي يبذل جهداً للوصول رغم بعد المسافة والانتظار لما يقارب خمسَ ساعات، فانتظرت حتى التقيتُهُ، وعندما جمعنا اللقاء، لم أتوانَ في التعبير عن إعجابي بإصراره على تربية أبنائه وتطوير مهاراتهم، فسألته عن سبب المداومة رغم كل الصعاب، فأجابني بكلمات ملؤها الإيمان والعطاء ورد الجميل:
«نريد أن ندخل الجنة، ونعين حاكم الشارقة فيما يقدّمه للجميع».
هذه الكلمات لم تكن مجرد عبارة عابرة، بل لامست قلبي وسكنت وجداني، وكانت مرآة تعكس قيمة العطاء والنية الصادقة التي تسكن قلب الأخ يوسف وأمثاله من أبناء المجتمع، كما تؤكد أن دعم صاحب السمو حاكم الشارقة لهذا النوع من المبادرات لم يكن مجرد تقديم للمشاريع والبرامج التعليمية فحسب، بل هو نداء للمشاركة الفاعلة من قبل الأسرة والمجتمع.
دروس عدة ينبغي استنباطها من تلك الكلمات، ولعل من أهمها أن المسؤولية لا تقتصر على ما يُقدمه سلطاننا الكريم لنا فحسب، بل تمتدّ لتشمل أدوارنا الفردية داخل الأسرة حتى نكون فاعلين في إعانة سلطان القلوب وإيفائه حقه، وهنا تستحضرني الكلمة الخالدة لصاحب السمو حاكم الشارقة، خلال تسلمه لجائزة شخصية العام الثقافية في جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2010، في معرض حديثه عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وذكر مناقبه، رحمه الله، عندما أشار بأن حبنا ووفاءنا لزايد يتطلب أن نسطر ونعمل بما كان يحبّه زايد، ونتجنب ما كان لا يحبه زايد، وبذلك نكون قد أوفينا زايد حقه.
وبالتالي عندما تشكو مديرة إحدى المدارس في الامارة الباسمة بأن نسبة غياب طالباتها في يوم الجمعة من كل أسبوع يقترب من 20%، ندرك بأننا لم نُوفِ سلطان حقه في تنشئة جيل واعٍ ومسؤول، وعندما نسمع عن حالات سوء سلوك بين الطلبة من دون أن يقوم أولياء الأمور بدورهم اللازم، تتجلى لدينا حقيقة مؤلمة بأننا بحاجة ماسّة إلى إعادة النظر في أسلوب دعمنا لما يحبه سلطان، وعندما نذهب إلى المسجد من دون أن نأخذ أبناءنا معنا، فهذا يعني أننا لم نُعِنْ سلطان، وعندما نخلد إلى النوم دون السؤال عن الأبناء والبنات الذين يبقون خارج البيت حتى ساعات الليل المتأخرة، فإننا بذلك نُنقص من حق هذا الرجل الذي بذل ويبذل الكثير لتوفير حياة كريمة لنا، وعندما نترك أبناءنا أمام الأجهزة اللوحية لساعات طويلة من دون أن نعي خطورة ذلك عليهم وعلى المجتمع، فإن ذلك يعدّ دليلاً آخر على أننا لا نحبّ سلطان الحكمة كما ينبغي.. والقائمة تطول.
إن هذه الممارسات اليومية تدعونا للتفكير في كيفية استثمار ما نُقدمه من وقت واهتمام في دعم المبادرات التي يقودها ضمير الاتحاد، وتحقيق الفارق الحقيقي في تنشئة الأجيال على قيم الانضباط والمسؤولية والحب للوطن، كما يجب علينا أن نكون مؤمنين وموقنين بأن دعم سلطان الثقافة لمثل هذه المشاريع والمبادرات يبرز حرصه الدائم على تنمية الفرد منذ نعومة أظافره، وترسيخ القيم في المجتمع، وفي المقابل، يتوجّب علينا أن نُعطيه أيضاً من خلال أدائنا لأدوارنا بكل جدية وإخلاص، لنكون شركاء حقيقيين في بناء وطن يرتكز على الترابط الأسري والمجتمعي.
في الختام، تبقى كلمات ذلك الأب شاهدة على أن الحب والعطاء ورد الجميل للوطن والقيادة لا يعرفان حدوداً، وأن «أعينوا سلطان» ليس مجرد نداء نتغنّى به في لقاءاتنا وعلى مواقع تواصلنا الاجتماعي، بل هو دعوة لمواجهة التحديات معاً، بمشاركة كل فرد في صلب الحياة الأسرية والمجتمعية، وأنه يجب علينا أن نرتقي بأدوارنا لنعين سلطان ونوفيه حقه.
*متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق