تتابعت في مواقع سياسية في دول الغرب، عبارات تصف اقتراح الرئيس الأمريكي ترامب بتهجير سكان غزة من الفلسطينيين إلى سيناء، بأن ترامب يجلس في مقعد إسرائيل، وينقل عنها حرفياً ما خَطته يدُها لترحيل سكان غزة، وكان الإسرائيليون قد استبقوا ترامب بالترويج لنفس المشروع الذي بدأ يحمل اسمه لاحقاً، وهذه الأفكار هي جزء من مخطط قديم عُرف باسم الترانسفير «Transfer» أي التهجير القسري، والذي تردد في الأدبيات اليهودية القديمة، التي كانت تحلم بالوطن البديل.
وفي نفس المسار المتعدد الحلقات، هناك الوثيقة الإسرائيلية التي تحمل عنوان «استراتيجية إسرائيل للثمانينات»، والتي تسرّبت بعد حرب 1967، وتدعو لوضع يد إسرائيل على سيناء، وطرد الفلسطينيين من بلادهم.
النص الكامل لهذه الاستراتيجية نشر في عام 1982، ضمن مقال كتبه أودين أونين الكاتب بالصحيفة العبرية كيفونيم «Kivonim»، وقد سبق أن كان مسؤولاً بوزارة الخارجية الإسرائيلية، كما أن نفس الصحيفة هي ناطقة بلسان إدارة الإعلام بالمنظمة الصهيونية العالمية، وتتضمّن خططاً لتفتيت الدول العربية، بالإضافة إلى خطط جديدة لتفريغ فلسطين من الفلسطينيين، وتقول هذه الاستراتيجية أيضاً: «إن إسرائيل تحتاج منذ مطلع الثمانينات إلى نظرة جديدة لمكانتها وأهدافها في الداخل والخارج». ثم تقول بالنص: «إن استعادة سيناء بما فيها من موارد، هي أولوية سياسية، وإن اتفاقات كامب ديفيد قد أوقفت استخدام إسرائيل لها كاحتياطي استراتيجي في الاقتصاد والطاقة».
وتتوالى نفس الأطماع الإسرائيلية القديمة عبر السنين، وهو ما كشف عنه جاكوب هيرتزوغ، المدير العام لمكتب رئيس الوزراء، بما قاله من أن اثنين من الصحفيين الإسرائيليين هما يوسي ميلمان، المحرر الدبلوماسي لصحيفة «دافار»، ودان رافيف، مراسل شبكة «س. إن. بي. سي»، في لندن، قد كشفا عما دار في اجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلي قبل أسبوعين من انتهاء حرب 1967، من مناقشة حول إعادة توطين الفلسطينيين في غير أرضهم، وأن مناحم بيغين، رئيس الوزراء، أوصى بتدمير مخيمات اللاجئين، وترحيل الفلسطينيين إلى سيناء، وكان أرييل شارون قد أزاح الستار عن هذه الخطة في اجتماع عقد في تل أبيب في نوفمبر/تشرين الثاني 1987.
قبل ذلك وفي عام 1956 رفض بن غوريون الموافقة على خطة لموشي ديان بالاستيلاء على غزة، إلا بعد الخلاص من سكانها، وقال له، لا أريد غزة وبها فلسطينيون.
ويضيف إلى ذلك شلومو بن عامي، وزير خارجية إسرائيل الأسبق، في كتابه «ندوب الحرب وجروح السلام» الصادر عام 2006، أن بن غوريون كانت لديه خطة لطرد الفلسطينيين، وأنه كان ينتظر التوقيت المناسب لتنفيذها.. وأن أفكار بن غوريون تعود إلى الخطط التي وضعتها الحركة الصهيونية منذ أول جولة للحرب في فلسطين.
وكشفت مصادر دراسات إسرائيلية عن أن التفكير في إخلاء غزة من سكانها، يرتبط بهدف آخر يعود إلى مخطط قديم، بالرغبة في السطو على مصادر حقول الغاز والبترول في غزة، وهو ما كانت إسرائيل قد بدأت في الإعداد له قبل سنوات بتعاقدها مع شركة بترول أمريكية، للمشاركة في استغلال هذه الثروات.
ولوحظ أن الإسرائيليين بدأوا التمهيد للترويج لمشروع ترامب، حتى من قبل أن يُعلنه، وقالوا، إن الحكومة تبحث فعلاً في إعادة توطين مليون فلسطيني في إندونيسيا، وفي الحال ردّت إندونيسيا عليها بأن تلك أكاذيب لا علم لها بها.
وهي نفس الأكاذيب التي روّج لها الإسرائيليون عن استعداد دولة ألبانيا لاستضافة 100 ألف لاجئ فلسطيني من غزة كخطوة أولى، وفي الحال ردّ إيدي راما، رئيس وزراء ألبانيا، بقوله، إن تلك أخبار زائفة، وإن بلده تكنّ الاحترام الكامل والتضامن مع أهالي غزة.
وبدأت دول أوروبية حليفة لأمريكا تعلن رفضها لمشروع ترامب، فقد أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية رفضها للتهجير القسري للفلسطينيين، وأنه تصرف مرفوض من وجهة نظرها. وأيضاً أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس أن تهجير الفلسطينيين من غزة هو تصرف غير مقبول، وأن عدالة حل القضية الفلسطينية تكون عن طريق حل الدولتين، ولا ينبغي المخاطرة الآن بالأمل في السلام. كما أعلنت الأمم المتحدة أن أرض فلسطين ستبقى أرضاً للفلسطينيين وفقاً للقانون الدولي.
كذلك نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن حلفاء ترامب رفضوا اقتراحه، وووصفه بأنه خطة للتطهير العرقي. وهو نفس الوصف الذي أطلقته أيما جراهام هاريسون، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، بقولها إن اقتراح ترامب هو بالفعل دعوة للتطهير العرقي المخالف لكافة حقوق الإنسانية، وأن حلفاء أمريكا أنفسهم يصفونه بأنه تصرف خطأ وخطِر وغير مشروع.
إن المراقبين الدوليين على اختلاف انتماءاتهم اتفقوا على أن ترامب ينقل أفكاره عن خطط إسرائيلية قديمة، وهو ما دفع بعضهم إلى استخدام تعبير أن ترامب يجلس في مقعد إسرائيل، ويقرأ ما خطته بيديها من أفكار منافية لكل القوانين الدولية.
ولما كان الأوروبيون أنفسهم يعتقدون بأن ترامب ليست لديه خطة محددة لتنفيذ اقتراحه، وأنه يستلهم أفكاره عن أفكار إسرائيلية قديمة، فإنه سيجد نفسه في مرحلة ما، وقد ورّط نفسه في مشروع إسرائيلي عفّى عليه الزمن.
ترامب.. وأفكار إسرائيل القديمة - ستاد العرب

ترامب.. وأفكار إسرائيل القديمة - ستاد العرب
0 تعليق