دشن الاجتماع الروسي الأمريكي الذي استضافته السعودية، يوم أمس، مرحلة جديدة للعلاقات بين القوتين العظميين، قد يمهد الطريق لإحداث اختراق ينهي الأزمة الأوكرانية ويخفض التوتر في أوروبا، ويسمح بصب الجهود على الكثير من القضايا الملحة التي تتطلب تعاوناً دولياً واسع النطاق بعيداً عن إذكاء الصراعات والخلافات، خصوصاً بين الدول الكبرى المسؤولة عن ضمان الأمن والسلم العالميين.
اللقاء الأول بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمريكي ماركو روبيو أثمر اتفاقاً على تشكيل فرق تفاوض رفيعة لإنهاء الصراع في أوكرانيا «بطريقة دائمة ومستدامة ومقبولة من جميع الأطراف».
كما أثمر اتفاقاً ثنائياً على تطبيع العلاقات وإزالة الحواجز بين البعثات الدبلوماسية بين البلدين وتعيين سفيرين في أقرب وقت، وسط تفاؤل من الجانبين بأن المستقبل يخبئ فرصاً استثنائية للبلدين، قد تبدو ملامحها مع القمة المرتقبة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، الذي تعهد قبل عودته إلى البيت الأبيض بأن ينهي الحرب في أوكرانيا، ويعيد الاتصالات مع الكرملين. وفي ضوء المخرجات التي صدرت عن اجتماع الرياض، فإن الرهان على القمة المرتقبة قد يكون في محله. واللقاء بين المسؤولين الروس والأمريكيين، الذين دخلت بلادهم في أخطر أزمة منذ أيام الاتحاد السوفييتي السابق، يعد حدثاً في حد ذاته، رغم أن الخلافات بين الجانبين تاريخية وممتدة ولا يمكن إنهاؤها تماماً، لكن يمكن التغلب عليها والتعايش معها دون خروجها عن الأطر العامة.
دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لعبت دوراً حميداً منذ تفجر الأزمة الأوكرانية بوساطات الإفراج عن الأسرى وتقديم المساعدات الإنسانية إلى الأوكرانيين المتضررين، رحبت بالمباحثات الروسية الأمريكية في الرياض، وأشادت بدور السعودية في استضافة هذا اللقاء الذي يعد خطوة مهمة نحو جسر الهوة وتعزيز التواصل والحوار، لإنهاء الصراع الأوكراني الذي سيتجاوز عامه الثالث الأسبوع المقبل. وهذا الموقف الإماراتي يؤكد المبدأ الأصيل بدعم كل الجهود الرامية إلى الحل السلمي للنزاعات والتعاون الدولي في معالجة القضايا العالمية.
من الأسباب الرئيسية، التي جعلت الأزمة الأوكرانية تطول وتتعقد وتضع العالم على شفا انفجار أوسع، غياب الحوار بين الطرفين الروسي والغربي عموماً، والأمريكي خصوصاً، وذلك لعدم توفر إرادة سياسية لتنفيذ ذلك بسبب طغيان المصالح والحسابات، والرغبة في إلحاق هزيمة بروسيا، وهو ما لم يتحقق لاعتبارات عدة، رغم الزخم غير المسبوق لتسليح كييف والعقوبات المفروضة على موسكو. وربما من حسن حظ أوروبا، وربما العالم بأسره، أن عاد الروس والأمريكيون للجلوس وجهاً لوجه وحل الخلافات العميقة بينهما بالحوار والدبلوماسية. ومن شأن هذا التطور أن يقطع الطريق على أي تصعيد محتمل، وينقذ المجتمع البشري من خطر نووي أطل برأسه أكثر من مرة، خلال الحرب الأوكرانية. كما يمنح فرصة لتدارك الخسائر الاقتصادية التي أصابت قلب العالم، في أوروبا، بسبب اضطراب إمدادات الطاقة والغذاء والتجارة العالمية.
اجتماع الرياض بين الوفدين الروسي والأمريكي، قد يكون واحداً من المفاجآت السارة في هذه المرحلة، وخطوة في اتجاه إيجابي يمكن أن يغير الأوضاع العالمية إلى الأفضل.
لقاء مثمر في الرياض - ستاد العرب

لقاء مثمر في الرياض - ستاد العرب

0 تعليق