د. باسمة يونس
في زمنٍ يصبح البحث فيه عن كتاب مناسب أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش، يطل علينا سؤال جوهري عما إذا كنا بحاجة إلى تصنيف الأدباء وفقاً لنوع أعمالهم الأدبية؟ وهذا السؤال ليس مجرد رفاهية فكرية أو محاولة لتقييد الإبداع في قوالب صارمة، بل هو دعوة إلى ترتيب هذا العالم الزاخر بالأفكار والكلمات ورسم خرائط ترشد القراء في متاهات الأدب وتقلل من احتمالات خيبة أملهم عند اختيار كتاب لا يتلاءم مع اهتماماتهم، ويزيد من فرص العثور على النصوص التي تُشبع اهتماماتهم الأدبية وتُلامس مشاعرهم.
ويشبه تصنيف الأدباء وفقاً لنوعية أعمالهم تسمية النجوم في السماء، فكل نجمة لها اسم يميزها عن الأخرى وتصنيف الأدباء حسب تخصصاتهم خريطة طريق واضحة للقرّاء للحصول على مبتغاهم، وفرصة لكل كاتب للتعمق في المجال الذي أبدع فيه والتركيز عليه ليتمكن من إثرائه بما لديه من خبرات وقدرات أدبية.
لقد بات من المهم وضع كل أديب في الإطار الذي يبرز إبداعه ويسلط الضوء على الأدب الذي يتقنه ويبرز علمه ويعكس نقاط قوته ليتخصص ويبدع ويجدد ويضيف بصمته الخاصة بكل ثقة إضافة إلى إتاحة الفرصة للقراء لمعرفته والاستفادة منه.
فعندما نصف كاتباً بأنه «رومانسي» أو «كاتب رعب» على سبيل المثال نظهر قدرته على كتابة القصص العاطفية أو المرعبة؛ فالتصنيف لا يفرض على الكاتب بقدر ما هو ناتج طبيعي لإبداعه، والأدباء هم من يحددون تصنيفاتهم من خلال أعمالهم التي يبرزون مواهبهم فيها.
يمكّن التصنيف النقاد والباحثين من دراسة كل نوع أدبي وفق خصوصيته ومعاييره وإرشادنا إلى العناوين التي تُشبع رغباتنا الأدبية وتُضيء جوانب خفية من ذواتنا إضافة إلى مساهمته في حفظ تراثنا الأدبي وتوثيقه للأجيال القادمة، فالتاريخ الأدبي خريطة تروي قصة كل نوع أدبي وتطوره عبر العصور.
وعندما يصنّف الأديب وفق نوع معين فهو اعتراف بموهبته وتميزه في مجاله، وليصبح قادراً على تطوير أدواته وتعميق تجربته وتعزيز التنوع الأدبي وإثراء المكتبة العربية والعالمية بنصوص مختلفة ومتنوعة، تُلامس كل الأذواق والاهتمامات.
ويسهل ذلك على المؤسسات الأدبية منح فرصة لإبراز وتكريم المبدعين في كل صنف أدبي وتقديم الدعم وتوجيه الاهتمام إلى مجالات أدبية قد تكون أقل شهرة ولكنها لا تقل أهمية.
وقد يرى بعضهم أن التصنيف الأدبي يقيد حرية الأديب، لكن الواقع يُظهر عكس ذلك، فالتصنيف بوابة نحو تميزه الأدبي، ويمنح القارئ بوصلته التي تقوده إلى ما يُناسب ذائقته. إن الأدب ليس مجرد أسماء لامعة تملأ صفحات التاريخ، بل هو خريطة تُظهر تطور كل نوع أدبي عبر العصور، وتحكي قصة كل مرحلة زمنية من خلال أعمال أدبائها المميزين ويُساعد التصنيف على حفظ هذا التراث من الضياع مع إعطاء كل أديب حقه في التقدير والاعتراف بمنجزاته في مجال تخصصه.
[email protected]
0 تعليق