انقلاب عبر الأطلسي - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

يونس السيد

للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، باتت العلاقات الأوروبية الأمريكية مرشحة لتغيير جذري في عهد ترامب الثاني يصل إلى حد الانقلاب على العلاقات التقليدية التي كانت سائدة عبر ضفتي الأطلسي منذ عقود.
في عهد ترامب الأول، لم تصل التباينات الأوروبية الأمريكية إلى هذا التشابك والتعقيد، رغم الخلافات الكثيرة بين الجانبين، والتي كانت غالباً ما تجد طريقها إلى الحل، ربما بسبب عدم وضوح ترتيب الأولويات الأمريكية آنذاك. لكن هذه العلاقات سرعان ما استعادت عافيتها في عهد بايدن، وأصبحت أكثر صلابة على خلفية التقاء المصالح الأوروبية الأمريكية حول الحالة «العدائية» لروسيا، خصوصاً بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، ومحاولات لجم القوة الصينية الصاعدة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وهو ما دفع الأوروبيين إلى الركون والاطمئنان إلى استمرار الاهتمام والحماية التي توفرها الولايات المتحدة للقارة العجوز منذ عقود، لكن هذا الاطمئنان كان يحمل في ثناياه بذور الضعف الأوروبي إزاء العلاقات البينية والتعامل مع القضايا العالمية بمعزل عن الولايات المتحدة.
المفاجأة المذهلة جاءت مع بداية عهد ترامب الثاني؛ إذ لم تعد القارة الأوروبية على رأس سلم أولويات الولايات المتحدة، في إطار سياسة ترامب القديمة الجديدة القائمة على شعار «أمريكا أولاً» والتي تشمل الحلفاء والأعداء على حد سواء. بوادر هذا التغيير كانت موجودة حتى قبل وصول ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض، وهو ما أثار قلق الدول الأوروبية، لكن نقطة التحول ربما كانت أسرع من المتوقع، عندما وجه نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، في مؤتمر ميونخ للأمن، انتقادات صادمة للدول الأوروبية وسياساتها الدفاعية والاقتصادية ومغازلته قوى اليمين الأوروبي المتطرف، وأبدى معارضة واشنطن لانضمام أوكرانيا لحلف «الناتو»، ودفاعه عن المفاوضات الأمريكية الروسية لإنهاء الحرب الأوكرانية.
الأسوأ هو جنوح الجانبين الأمريكي والروسي لاستبعاد الأوروبيين، وحتى الأوكرانيين أنفسهم من المفاوضات، وترك الأوروبيين لتحمل مسؤولية أمنهم بأنفسهم، أي معالجة مشاكلهم مع الروس بلا غطاء أمريكي، باعتبار أن الأزمة الأوكرانية مشكلة أوروبية وليست أمريكية.
ولم يتوقف ترامب عند هذا الحد؛ إذ إنه بات يطالب أوكرانيا بالاستثمار في قطاع المعادن الثمينة لاسترداد ما قيمته 550 مليار دولار ثمناً للأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية التي أرسلتها واشنطن إلى كييف. وبغض النظر عن صحة هذا الرقم من عدمه، فإن ملامح التحول الجذري في العلاقات الأوروبية الأمريكية يأخذ أبعاداً أخرى، ومنها تهديد ترامب بفرض ضرائب جمركية جديدة على السلع والواردات الأوروبية؛ إذ إنه يعتبر أن هناك خللاً كبيراً في ميزان التبادل التجاري يميل لصالح الأوروبيين، إلى جانب مطالبته للدول الأعضاء في «الناتو» برفع إنفاقها الدفاعي من 2 في المئة إلى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وهناك بالطبع الكثير من القضايا الخلافية، لكن الحقيقة الساطعة هي أن العلاقات الأمريكية الأوروبية التقليدية وصلت إلى خط النهاية وباتت في مواجهة مرحلة مغايرة تماماً عما سبقها.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق