عبداللطيف الزبيدي
إذا كانت الحضارات والأمم والدول، كالأفراد لها مراحل حياة، فلِمَ لا تكون لها نفسية في حاجة إلى ارتفاع المعنويات؟
لا توضيح للواضحات. كل ما هنالك هو أن أكثرية بني جلدتنا تنسى مثل هذه البديهيات. الطريف أن المعنى الأصلي للمعنويات، هو نفسه من المنسيّات. غالباً ما يغيب عن الذهن أن المعنى بوصفه المضمون، هو أهمّ من الشكل. حتى في الذكاء الاصطناعي، ينظر الإنسان إلى الآلة كأداة تخدمه بلا عقل ولا روح، فهي طوع يمينه، ولا يخشى إلا أن يفاجأ يوماً بأنها صارت تعي ذاتها، أضحى لها إحساس ورأي وقدرة على القرار، فيومئذ إلى أين الفرار؟
دعنا نرجع إلى حيّ حياتنا البشريّة. ذلك الموقف النفسيّ الغريزيّ إزاء الذكاء الاصطناعي، الذي إذا بزغ فيه الوعي، أشرقت منه شمس الإبداع، إنما هو قلباً وقالَباً، موقف الدول العظمى من التنميات المتعثّرة، التي ترى نفسها جِرماً صغيراً، تربّي صفوة عقولها وتطلقها طيوراً مهاجرةً مجّاناً، لتشيد صروح الأقوياء، الذين يرثون لحالها وهي على رصيف العصر، يُلقون إليها بالنزر القليل ممّا يصطادونه في مياهها السياديّة.
ذلك ما لخّصه نابليون بونابرت في مقولته الاستراتيجيّة: «لا توقظوا التنّين، فإنه إذا استيقظ، زلزل العالم». تلك الصيحة، نفخ فيها الكاتب الفرنسي، وزير العدل الأسبق، آلن بيريفيت، وجعلها كتاباً عنوانه: «عندما تستيقظ الصين، يزلزل العالم» 1973. أمّا مستشار الأمن القومي الأمريكي، زبغنيو برجنسكي، فقد باح بالمخبوء في كتابه: «رقعة الشطرنج الكبرى» 1997. الصراحة راحة هدفها: يجب تقسيم روسيا، لمحاصرة الصين.
أحياناً، يصاب القلم بهلوسة عاطفية أسطوريّة تحجب عنه رؤية ضراوة الواقعية السياسية، فيغرق في الخيال التاريخي، ينتشي بأن الخريطة العربية اليوم متحف جيولوجي تحتضن طبقاته الزمنيّة حضارات مجموع أزمنتها ثلاثون ألف سنة. مسلسلها الأخير انتهى عام 1258 بسقوط بغداد الأوّل. لكن، ليس عيباً أن يفكّر الناس في أن ذلك الخيال العلمي بأثر رجعيّ، واسترخاء الذهن في قطار آلة الزمن، رافعة رائعة للمعنويات، ففي المشهد تحفيز لروح المنافسة أمام تاريخك، الذي يتحول إلى جمهور متشكل من آلاف السنين. تغمرك أمواج الأصوات هادرةً من عشرات القرون هاتفةً: في متحف تاريخنا حضارات أشرقت وتألقت وأشعّت وتوهّجت وأنارت وأضاءت، تلك صفحات ماضيك، فماذا أنت فاعل؟ هل أنت آتٍ بما لم تستطعه الأوائل؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستفهامية: ما الذي يحدث إذا وعى العالم العربي طاقاته وقدراته؟ تخيّل اثنتين وعشرين تنميةً فائقةً. لهذا الدراما الدولية لا تهدأ.
[email protected]
0 تعليق