د. منصور جاسم الشامسي*
هناك صورة كبرى خُماسية يرسمها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، من خلال حراكه العالمي العالي الفاعل الإيجابي التنموي الجَمالي ونشاطه الإنساني في القمة العالمية للحكومات بدبي.
فقد حضر سموّه جانباً من جلساتها والتقى عدداً من كبار القادة المشاركين مؤكداً أن القمة العالمية للحكومات تُعد منصة عالمية لمد جسور التعاون بين الدول المشاركة بما يحقق مصالح الشعوب وتفتح آفاقاً جديدة أمام الحكومات كمنبر عالمي رئيسي للحوار وتبادل الرؤى والأفكار، بما يعود بالفائدة على المجتمعات، وأن دولة الإمارات حريصة على تعميم تجربتها في تطوير العمل الحكومي والاستفادة من التجارب العالمية المتميزة في هذا المجال، بما يسهم في فتح آفاق جديدة للتعاون في مواجهة التحديات القائمة والمحتملة أمام العمل الحكومي وتعزيز فرص المجتمعات في التنمية والازدهار. كذلك، تحدث سموّه عن الشراكات بين الحكومات العربية لتحقيق نهضة تنموية شاملة لشعوب المنطقة، وأكد أهمية النتائج التي حققتها القمة العالمية للحكومات على مدار الأعوام الماضية، ودورها في تحقيق التقارب بين الدول، وتعزيز التعاون لتحقيق نمو مستدام في القطاعات الحكومية بما يحقق نتائج إيجابية تنعكس على اقتصادات الدول ورفاهية شعوبها.
هذه الصورة الكبرى الخُماسية جاءت عبر نماذج وتطبيقات إدارية حكومية متميزة (Role Models) لسموّه، بالقمة، جديرة بأن تدخل في مناهجنا الدراسية، خاصة لدى كليات إدارة الأعمال، باعتبارها سياسات إدارية نموذجية (Role Models) وتطبيقات واقعية، تُدَرس للطلبة، كما يستفيد منها قطاع الموظفين الحكوميين.
(النموذج الإداري العالمي) الأول يربط المكان، المدينة الاستثناء، دبي، والدولة الاستثناء، الإمارات العربية المتحدة، بالعالم، لجعله استثنائياً، عبر «محور التنمية» الذي يرتكز على قاعدة «خدمة الإنسان» كأساس للخدمات الأخرى المُقدمة: «خدمة المجتمعات» و«خدمة بيئات الأعمال» و«خدمة الدول» و«خدمة الُعملاء أو المُتعاملين» و«خدمة الكون». فهناك «علاقات ذكية» (smart relations) ووجدانية، يُقيمها الشيخ محمد بن راشد، حيث يفتح قلبه، بما يملك من إحساس كافٍ، كقائد عالمي بارز، مُلهِم ومُلهَم، ويُنشئ صداقات جيدة عابرة للحدود في عولمة واضحة باعتبار العالم بيت الإنسانية الواحد الكبير، يجتمع في دبي، وكذا يصنع سموّه عبر قمة الحكومات، أجواء ملائِمة للعمل الجماعي العالمي، كما لو أن العالم يعزف معاً «سيمفونية التنمية» كالفرقة الموسيقية الكاملة، فالنوتة الموسيقية خلفها عازفون، أي «بشر»، «أفراد»، «كوادر» أو موظفون، كما يَمد سموّه نموذج سياسته التنموية بدبي والإمارات للعالم، بأريحية، وسلاسة، فالعالَم متساوٍ لدى صاحب السمو الشيخ محمد، وفي هذا المبدأ جَمال، وتعاطف مع العالم، خاصة في ظروفه الصعبة، ونضال لأجل سلامته وحفظ موارده وإيجاد قيمة لأشيائه المشاهدة وغير المشاهدة، فالقمة شهدت عولمة لفكر الشيخ محمد بن راشد التنموي ودبلوماسيته التنموية وطرحه لفن الإصغاء للعالم وإشراك للحكومات العالمية في تفكير وحوار تنموي مشترك يحدد الإشكالات ويصنع حلولها، ودبي – الإمارات، بالقمة، بمثابة ورشة «تدريب مهني حكومي تنموي عالمي» كبرى، تهتم بالفهم أكثر منها بالتفسير، وتنحاز للمعرفة، إدراكاً لمتطلبات العالم، لتساعده على إطلاق العنان لقواه الإيجابية الكامنة، ووضعه في سياقه الصحيح.
(النموذج الإداري العالمي) الثاني يتمحور حول شعار القمة (استشراف حكومات المستقبل) الإبداعي، ولأن الاستشراف صعب فلذا يتطلب قدرات فريدة لدى المُستشرف، منها ضرورة اتباع منهج البحث العلمي بدقة وبطريقة صحيحة. لهذا، فشعار القمة تحدٍ أمام العالم ليقدم الاستشراف بشكل صحيح، مرئي، كما لو كنت تراه، من دقته، بحيث يساعدنا على وضع خطط حكومية عامة استراتيجية تضمن تحقيق سعادة الإنسان وتجويد وتحسين الحياة للفترات الزمنية القادمة.
(النموذج الإداري العالمي) الثالث هو جعل القمة العالمية الحكومية بدبي تقليداً سنوياً، ومنبراً عالمياً، للتباحث والتدارس والتشاور التنموي الشامل المتعدد بين مختلف دول ومنظمات العالم الذين استقطبتهم القمة، فهي بمثابة «البرلمان العالمي» وفي هذا عولمة أخرى. نموذج «اللقاء العالمي» تقدمه منظمة الأمم المتحدة عبر هيئاتها، ولكن ما ميز القمة الحكومية العالمية بدبي هو تركيزها على محوري «الإنسان» و«التنمية» والفرص والتحديات، والتركيز هذا فن وعِلم، ومساعدة لمنظمة الأمم المتحدة لتحديد نقاط قوة الحكومات ونقاط ضعفها، كذلك، لمعالجتها، حيث شملت القمة في أجندة اجتماعاتها مناقشة مستجدات أسواق العمل وأثر العامل التقني فيها، والاقتصاد العالمي، وآثار الحروب والنزاعات.
(النموذج الإداري العالمي) الرابع هو عملية «تصدير النموذج الناجح» و«استيراد النموذج الناجح» من خلال استعداد دولة الإمارات لنقل نموذج إدارتها الحكومية المتميز للعالم، وفي الوقت نفسه الاستفادة من تجارب الآخرين الناجحة في العمل الحكومي، وفي هذا الأسلوب الإداري قدرة تفاعلية تواصلية تنموية مع العالم، أن تُصدر ما لديك من أداء حكومي متميز وتستورد أو تستقبل ما لدى الآخرين من أداء حكومي متميز، فلقاءات المبدعين تُحدِث النوعية والفَرق وتصنع روحاً خلاقة محبة للتعاون والترابط الكوني حول محوري «الإنسان» و«التنمية» مستعدة لتبادل المعلومات والبرامج والخطط والإنجازات بهذا الشأن.
(النموذج الإداري العالمي) الخامس لسموّه «عَقد الشراكات» بين حكومات ومنظمات العالم وهذا علاج إبداعي لحل الخلافات والنزاعات والتباعد، فالشراكات تخلق حاجة حقيقية للدول والمجتمعات في أن تعمل معاً كفريق عمل واحد، عبر إيجاد برامج تحقق مصالحها المشتركة، وهذا يلتقي مع نظرية حيوية في العلوم السياسية التي هي «المجتمعات السياسية التشاركية». والنموذج التطبيقي الذي قدمه سموّه بالقمة هو دعوته لعقد شراكات بين الحكومات العربية وهذا كفيل بخلق فضاءات تنموية عربية واقعية مشتركة، اجتماعية-اقتصادية، بالدرجة الأولى، قابلة للتوسع، تُحدث التغيير الإيجابي والنهضة العربية الشاملة.
[email protected]
* باحث علمي - تنمية بشرية
0 تعليق