مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وفي غياب التوصل إلى اتفاق جديد يمددها أو يسمح بالانتقال إلى المرحلة الثانية، يعود الوضع مجدداً ليواجه لحظة حرجة تنذر بعودة الحرب، رغم ما يبذله الوسطاء، خصوصاً القطري والمصري، من جهود لإزالة العقبات وإنقاذ الهدنة وصولاً إلى مباشرة إعادة إعمار القطاع المدمر.
حتى ساعة متأخرة من مساء أمس السبت، ظلت المواقف الإسرائيلية متضاربة بشأن الحفاظ على الصفقة الصامدة منذ 42 يوماً أو نقضها بالعودة إلى التصعيد، في وقت تؤكد فيه التسريبات أن المحادثات حول اتفاق وقف إطلاق النار قد دخلت في طريق مسدود، ومن الصعب التكهن بالتطورات اللاحقة، وسط تحذيرات من الوسطاء ومن الأمم المتحدة من عودة الحرب، التي ستكون كارثية وفتاكة، وقد تطفئ شعلة الأمل التي أضاءتها هذه الهدنة التي تم التوصل إليها بشق الأنفس وبعد سلسلة طويلة من الاجتماعات في القاهرة والدوحة، والتدخل الأمريكي المزدوج من الإدارة الديمقراطية السابقة والجمهورية الحالية، ممثلة في الرئيس دونالد ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
في ظل الجمود الحالي، بات مصير الهدنة معلقاً على تسوية قد تتبلور خلال الساعات المقبلة، وقد يستدعي الأمر ضغطاً أمريكياً مفاجئاً على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للالتزام بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات جديدة لاستكمال مراحل الهدنة، التي يفترض أن تصل إلى حالة إنهاء الحرب، وإعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، وهو الموقف العربي الصريح الذي تمت بلورته، وينتظر إقراره في القمة العربية الطارئة في القاهرة الثلاثاء المقبل. وقبل يومين من القمة أعلنت مصر خطة تقضي بإقرار لجنة إدارة تتولى إدارة شؤون قطاع غزة لمرحلة انتقالية مدتها 6 أشهر، بالتوازي مع تمكين السلطة الفلسطينية بالكامل من إدارة القطاع، وهذه الخطة تأتي لقطع الطريق على إسرائيل الساعية إلى نقض الهدنة والعودة إلى الحرب لاستكمال خططها التي تعثرت، رغم ما ارتكبته من فظاعات وجرائم بحق الإنسانية.
خلال أكثر من أربعين يوماً ذاق الفلسطينيون نعمة الأمن الهش، واستطاعوا أن يتعايشوا مع مخلفات الحرب. وفي أول أيام رمضان المبارك، تغلبوا على جراحهم وتجاوزوا مآسيهم وصنعوا الفرحة وسط الدمار الهائل والمعاناة، مؤكدين بذلك صمودهم وتشبثهم بأرضهم رفضاً لأي خطط لتهجيرهم أو إعادتهم إلى جحيم المعاناة التي كابدوها 15 شهراً.
التلويح بعودة الحرب على غزة، يعني سقوطاً أخلاقياً جديداً واستباحة للأبرياء، وفشلاً جديداً للمجتمع الدولي في حل القضية الفلسطينية. وعودة الحرب لن تنهي المشكلة، ولن تعيد من بقي من الرهائن الإسرائيليين أحياء مثلما عاد السابقون في الهدنة الحالية وهدنة نوفمبر 2023.
ورغم حالة القلق والترقب، فإن تثبيت هذه الهدنة يجب أن يتغلب وينتصر على نوازع الحرب، التي تعيد قطاع غزة والمنطقة برمتها إلى دائرة التصعيد، وهي تجربة عاشتها جميع الأطراف ولم تجد حلاً في النهاية غير التفاوض، الذي يجب أن يكون عنوان المرحلة المقبلة حتى طي هذه الصفحة الدموية المؤلمة في تاريخ غزة والمنطقة.
0 تعليق