مقايضات معضلة غزة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

عبدالله السناوي

إنها مقايضات معلنة تهدد مصر في أمنها وسلامتها ومستقبلها.
بلا أدنى مواربة يقترح زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد أن تتولى مصر مسؤولية إدارة قطاع غزة لمدة 8 سنوات، وقد تمتد إلى 15 سنة لدواعي حفظ الأمن الإسرائيلي بالوكالة ونزع سلاح المقاومة مقابل تسديد ديونها الخارجية الثقيلة، التي تبلغ 155 مليار دولار.. هكذا بضربة واحدة، تحفظ إسرائيل أمنها وتنهي مصر معاناتها الاقتصادية.
بنظرة أولى، يبدو ذلك المقترح تجاوزاً متفلتاً بحق مصر وتاريخها ووجودها نفسه، لا يستحق الالتفات إليه.
فقضايا الأمن القومي ليست موضوعاً للبيع والشراء.
بنظرة أخرى، أخطر ما فيه طريقة التفكير نفسها، التي تنطوي على محاولة استثمار استراتيجي في الأزمة الاقتصادية المصرية لمقتضى إنهاء الأزمة الإسرائيلية المستحكمة في غزة وتوريط أكبر دولة عربية فيما لا يخطر على بال، أو يحتمله ضمير.
كان الرفض المصري واضحاً وصريحاً، لكنه لا يكفي وحده، فالفكرة سوف تعاود طرح نفسها بصيغ أخرى.
إثر عملية السابع من أكتوبر 2023، اهتزت إسرائيل عسكرياً واستخباراتياً، بدا الفشل مروعاً، على ما اعترفت تحقيقات جيشها، التي كشف عنها مؤخراً، فرغم ضراوة العمليات العسكرية الإسرائيلية، التي استهدفت البشر والحجر وكل شيء يتحرك بالحياة في القطاع، إلا أنها فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة، لا اجتثت المقاومة الفلسطينية المسلحة ولا استعادت الأسرى والرهائن بغير وسيلة التفاوض.
طرحت الإدارة الأمريكية السابقة تصوراً ل «اليوم التالي» في محاولة مبكرة للإجابة عن السؤال التالي: كيف يحكم قطاع غزة بعد اجتثاث «حماس»؟، فقد أرادت أن تحقق لإسرائيل بالسياسة ما عجزت عنه بالسلاح.
لم يقبل بنيامين نتنياهو أي سيناريوهات للخروج من مستنقع غزة بأقل الأضرار خشية أن يكون ذلك اعترافاً بالفشل عن تحقيق ما أسماه «النصر المطلق»، والأهم أن يفضي ذلك إلى تفكيك حكومته اليمينية المتطرفة.
لم تُبدِ المعارضة الإسرائيلية، التي يتزعمها لابيد، أي درجة من الرفض لوحشية التقتيل الجماعي والتجويع المنهجي للمدنيين في غزة، كما لم تعارض سيناريو التهجير القسري من غزة إلى سيناء ومن الضفة الغربية للأردن، فقد بدت معارضتها على هامش خيارات نتنياهو لا في صلبها.
لا بد أن نشير إلى أن وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن تبنّى في الأيام الأولى من الحرب سيناريو التهجير القسري محاولاً إغواء مصر المأزومة اقتصادياً بمساعدات مالية تساعد على تخفيف معاناتها مقابل القبول بالتهجير.
فكرة لابيد ليست جديدة، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألمح إليها في معرض دعوته إلى إخلاء غزة من أهلها، بعبارة لافتة: «لقد ساعدناهم مالياً، مصر والأردن، وجاء الوقت أن يستجيبوا لما نطلب».
في المرتين تراجعت الإدارة الأمريكية على خلفية رفض فلسطيني ومصري وأردني وعربي جماعي.
لا جاء على ذكره بلينكن مرة أخرى، ولا صعّد ترامب ضغوطه، مشيراً إلى أنها مجرد مقترح، أو نصيحة.
في زيارة لابيد إلى واشنطن أراد أن يمد خيوطه مع الإدارة الجديدة، وأن يجد مشتركات تجمعه معها أكثر من نتنياهو، الحليف القديم، فلماذا يتبنّى الآن لابيد لغة المقايضة؟.
يستلفت النظر أولاً، أنه طرحها أمام أحد مراكز الأبحاث المهمة بواشنطن (FDD)، الذي يعهد عنه دعم وتأييد السياسات الإسرائيلية، هذه إشارة إلى نوعية المخاطبين بمقترحه، بما فيهم أركان إدارة ترامب بنزوعهم لتبنّي الخيارات الإسرائيلية المتشددة.
ويستلفت النظر ثانياً، إشارته إلى جوهر خطة ترامب لتطهير غزة من الفلسطينيين، كما لو أن ما يطرحه يستهدف ما طلبه ترامب بصورة مختلفة.
ويستلفت النظر ثالثاً، أن زيارته لواشنطن ترافقت مع ما بدا أنها سيولة في الموقف الأمريكي بشأن المرحلة الثانية من المفاوضات، لا أكد التزامه بالمضي فيها، ولا أفسح المجال كاملاً لنتنياهو أن يستأنف الحرب.
قال حرفياً: «إن القرار الدخول في المرحلة الثانية هو قرار إسرائيلي محض».
بدت تلك الظروف والملابسات مناسبة للابيد أن يتقدم بمقترحاته لإثبات أفضليته عن نتنياهو في خدمة المصالح الإسرائيلية والأمريكية.
ارتكزت خطته على إيجاد حل واحد لأزمتين متفاقمتين، الأولى، أمنية إسرائيلية حيث لا يمكن لإسرائيل القبول ببقاء «حماس»، ولا يمكن لها بنفس الوقت التعويل على السلطة الفلسطينية، التي لا تقدر على الوفاء بمتطلبات السيطرة على القطاع، مؤكداً أن خيار الاحتلال العسكري المفضل عند نتنياهو، غير مرحّب به على كل المستويات، والثانية، اقتصادية مصرية حيث أسهب في شرح الأوضاع الصعبة وخطورة تداعياتها على الاستقرار في مصر والشرق الأوسط وإفريقيا.
السؤال هنا: من يتولى سداد الدين الخارجي لمصر؟.
الاقتصاد الإسرائيلي منهك وترامب في غير وارد المساعدة فرجل الصفقات يأخذ ولا يعطي.
بنص صياغاته فإنه يعوّل على المجتمع الدولي وحلفاء مصر الإقليميين، داعياً أن «تقود مصر قوة سلام بالشراكة مع دول الخليج والمجتمع الدولي لإدارة غزة وإعمارها».
إذا كان الأمر ممكناً بهذه الصورة، فما دور إسرائيل بالضبط، غير أن تحصد دون أن تدفع، أو بالمقابل استعداداً لتقديم أي أثمان سياسية!.
«لا يمكن إعادة بناء غزة دون وجود جهة إشرافية يمكنها التفاهم مع إسرائيل»، وذلك سوف يزيل من أذهان المصريين فكرة نقل سكان غزة إلى أراضيها».
النقطة الجوهرية في الخطة: نزع السلاح الكامل في غزة، وهذا شرط لإعادة الإعمار.
ذروة المأساة أن هناك بعض الأصوات بدأت تتبنّى الخيار نفسه.. نزع السلاح مقابل إعادة الإعمار.

أخبار ذات صلة

0 تعليق