العامل الزمني كدافع للإبداع - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

هل لديك أريحيّة لكلمتين في مسألة إذا أهملتها الفنون بات الفنّ لا يساوي خردلة؟ لك أن تطبّقها على الإبداع جميعاً. قضية تجعلك ترثى لحال كل مستهين بما تسمّيه العرب «الصنع على غير مثال»، أي الإبداع، أن تصنع شيئاً وليس لديك نموذج تنسج على منواله.
الإبداع كلمة ترتعد لهول مهابتها العقول العارفة. صداها في عبارة «بديع الصنع»، أي الخالق سبحانه. الكون من إبداعه. العلم لا يدّعي أن الكون المنظور هو كل الخلق والوجود. لكن حتى في هذا يحار الفهم إذا حاول تخيّل عوالم الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء، التي أدّت إلى خلق الكون والحياة، ولعلها أكوان وحيوات. يهمّنا من الملحوظة أن الإبداع كصنع على غير مثال يتطلب العلم والقدرة.
العامل الزمني هو أن يرفع المبدع لنفسه بنفسه سقف التحدّي الإبداعي. أن يسعى إلى المعاناة راكضاً. لنأخذ مثلاً الآداب. أوّل ما يفعله هو ألا يحسب ذاته «جِرماً صغيراً، ففيه انطوى العالم الأكبرُ»، سيرى قامته سمقت، يصير، إذا كان فتيّاً، كأولئك الأفارقة الذين يمشون على هراوات شاهقة. الآن وقد استعدّ للصنع على غير مثال، عليه أن يفكّر في أن الإنسانية عرفت أربعة آلاف عام من الآداب، شعراً ونثراً في أجناس أدبية عدّة، من بينها روائع لا نظائر لها. لا حرج عليك إذا لم تكن من القمم، لكن، لا تكن الأوّل من الذيل، حتى لا يقال: «إذا لم تستطع شيئاً فدعهُ.. وجاوزْهُ إلى ما تستطيعُ». مهمّ الصدق أمام المرآة مع النفس. عدم احترام هذه النقطة هو سبب الكثير من أشكال الهبوط الفني.
الانتماء إلى مدينة الإبداع الموسيقي، كذلك. تخيّل أن يكون قبلك كل الأساطين العرب. تطرق الباب، ينفتح، تتقدم «واثق الخطوة تمشي ملكاً»، قاعة فسيحة لها مبتدأ وليس لها خبر. إلى جوار من ستجلس، القصبجي، عبد الوهاب، سيد درويش، زكريا، بليغ، الرحباني...؟ لن ترتجف ركبتاك وتصطكّ أسنانك خوفاً وبرداً، إذا كانت الموهبة تدثّرك وتدفئك، والمعرفة النظرية تحميك والمهارات التطبيقية تشحن فيك الاعتداد وتشحذ الاستعداد. مستحب أيضاً أن تتذكر أن عالم الموسيقى عرف باخ قبل ثلاثة قرون، وموتزارت قبل خمسين ومئتي عام، وبيتهوفن قبل قرنين. أمّا الأصالة فستعيد ذاكرتك إلى الأندلس، وبغداد العبّاسية، والآراميين، ومصر القديمة.
لزوم ما يلزم: النتيجة التشييديّة: الضغوط الإيجابية في هذا المنهج الذهني تعيد بناء المكوّنات الإبداعية الثقافية، على أساس الأهلية للإبداع. للأسف، انعدام الأهلية في الأوساط الفنيّة العربيّة كثير.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق