هل صار لزاماً على كلّ بلدان العالم، أنظمةً وشعوباً، أن تُعيد النظر في مفاهيمها للعلاقات الدولية؟ ما يحدث ظاهرة لا سابقة لها في التاريخ. الأغرب، هو أن الإمبراطورية، التي هي مركز ثقل النظام العالمي الحالي، هي التي تسعى بلا هوادة إلى شقّ الطريق الذي يمهدّ لقيام نظام عالمي جديد.
أعجب من ذلك، أن إعادة النظر في مفاهيم العلاقات الدولية، أضحت ضروريةً للشعب الأمريكي نفسه، بل ربما قبل غيره. لأنه إذا كان مقتنعاً بكل ما جرى منذ العشرين من يناير الماضي، فالمصيبة أعظم، فعندئذٍ سيكون خارجاً عن الشرق والغرب. لا شك في أن المفاجأة غير المتوقعة قد تكون: «ربّ ضارّة نافعة». هذه الأحداث المتسارعة تطبعها حدّة غير مسبوقة، لكنها بالحساب والاستدلال المنطقي، تكشف دفعاً رباعيّاً نحو التقارب بين كتل بشرية ضخمة، كانت فئات كثيرة منها متباعدةً لا مصالح تربطها، لكن اشتراكها في أنها أمست مستهدفةً، ألّف بين قلوبها، بالرغم من بُعد المسافات بينها جغرافيّاً أو عقائديّاً.
هل تذكر تلك العبارة الظريفة التي يصف بها الاقتصاديون الاستثمار؟ يشبّهونه بالغزال، الذي يرعى الأعشاب هانئاً مطمئنّاً، فجأة تسقط ورقة من شجرة على الأرض، فيقفز مطلِقاً قوائمه للريح. هم يقصدون أن رأس المال يلوذ بالمكان الآمن المستقر، فإذا اضطربت الأوضاع فرّ، باحثاً عن المقرّ المزدهر. الأمر يحتاج إلى نظرة أبعد. التنمية في كل ساحاتها، والإبداع بكل آفاقه، والتقدم في شتى ميادينه، هي الأخرى ظباء تهوى السكينة في أمن من السباع. لا تستطيع الشعوب الابتكار والتطوير والاكتشاف والاختراع، إذا غاب الأمان وطارت العنقاء بالحاضر والمستقبل.
أليس طريفاً أن تُعيد الأوضاع الدوليّة، بمخاوف صداماتها الجيوسياسية، الذاكرة إلى دروس أيّام زمان في الابتدائية: «تأبى العصيّ إذا اجتمعن تكسّراً..»؟، عندما تتناثر أوراق القانون الدولي، وتمسي المنظمات الدولية خيال مآتة، فإن البيت العربي هو الركن الركين والقرار المكين، وإليه الركون والسكون. حين تحتدّ العواصف القواصف، يأوي العرب إلى الخيمة العربية، يكفي أن يتوهج فيها بيت شعر، ليقدح زناد العزائم، فإذا الجميع أهلها وأهلّتها، القادرون على أهوالها.
العلاقات الدولية في حالة اضطراب، لكنها بصدد إعادة ترتيبها وتركيبها، بكل ألوان ترغيبها وترهيبها، مع ارتفاع شديد للأدرينالين، مثلما يحدث في أواخر المباراة الشطرنجية. على الشعوب العربية ألاّ يتسرّب إليها الشك في قدراتها.
لزوم ما يلزم: النتيجة العنفوانية: أخطر الأسلحة الفاتكة بالشعوب، الحرب النفسية. جهابذة الفن السابع لديهم منها فنون.
[email protected]
0 تعليق