القمة الخليجية ــ الأوروبية وآفاق التعاون - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

محمد خليفة
يتواصل التعاون بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبين الاتحاد الأوروبي لما في ذلك من منفعة للجانبين، خاصة بعد أن أثبتا قدرتهما على البقاء والاستمرار في عالم يموج بالمتغيرات، حيث إن الكتلتين اللتين بنيتا على أسس راسخة قد أثبتتا أنهما أقوى من عوامل التغيير التي تحصل في العالم، لأنهما تعبران أصدق تعبير عن ثقافة الدول والشعوب التي تنضوي تحتهما.
إن الشعوب الخليجية هي في حقيقة أمرها عائلة واحدة ضمن الأمة العربية ولديها عادات وتقاليد واحدة، كما أن الشعوب التي أسست الاتحاد الأوروبي تنتمي إلى ثقافة واحدة ولديها عادات وتقاليد واحدة. ولذلك فقد استمرت الكتلتان -الخليجية والأوروبية- في الوجود بفاعلية دون غيرهما من الكتل والتجمعات الأخرى التي انفرط عقد الكثير منها، وما بقي فهو مجموعات دولية غير فاعلة مثل: منظمة آسيان، ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي، وغيرها من المجموعات الدولية الأخرى.
تستند العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي إلى اتفاقية تعاون تم توقيعها في عام 1989، وتضمنت التزاماً من كلا الجانبين للدخول في مفاوضات بشأن اتفاق التجارة الحرة. وتنص الاتفاقية على التحرير التدريجي والمتبادل للتجارة في السلع والخدمات، وتهدف إلى ضمان مستوى مماثل من الوصول إلى الأسواق والفرص الاستثمارية، مع مراعاة مستوى التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي. وقد أثمر الحوار والتعاون بين دول مجلس التعاون وبين الاتحاد الأوروبي على مرّ السنين علاقات متينة وصلت مؤخراً إلى مستوى متقدم جداً، ما دفع المفوضية والممثل الأعلى في الاتحاد الأوروبي إلى إصدار بيان مشترك عام 2022، بشأن شراكة استراتيجية مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويقترح البيان شراكة شاملة وقوية بين الجانبين. وعيّن الممثل الأعلى، نائب رئيس المفوضية الأوروبية لأول مرة (لويجي دي مايو) ممثلاً خاصاً للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج لمواصلة تطوير شراكة أقوى وأكثر شمولاً وأكثر استراتيجية للاتحاد الأوروبي مع دول منطقة الخليج.
وفي 16 أكتوبر/ تشرين الأول انعقدت القمة الخليجية الأوروبية في بروكسل بمشاركة ثلاثة وثلاثين رئيس دولة ورئيس وزراء. وقد ناقشت بشكل خاص تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي في ظل ما تشهده المنطقة من توترات متزايدة، كما بحثت القمة الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية، كما جرى مناقشة ملف الطاقة، وخاصة المحاور المتعلقة بالطاقة النظيفة والمتجددة، وكذلك تعميق الشراكة التجارية إلى جانب بحث كيفية تعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا والابتكار ودعم الاقتصاد الرقمي وتبني التقنيات الحديثة، مثل: الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة لتحقيق التنمية المستدامة.
ورغم تطابق وجهة نظر المسؤولين في الجانبين في قضايا سياسية عديدة، لكنهما اختلفا في موضوع العلاقة مع روسيا التي تربطها علاقات قوية مع مختلف دول مجلس التعاون، وأكد هذا الموقف أن دول مجلس التعاون حريصة على أن تكون على مسافة واحدة من القطبين الغربي والشرقي، فعلى الرغم مما يربط دول المجلس كلها من علاقات قوية مع الولايات المتحدة، ومع دول الغرب بصفة عامة، لكن علاقات هذه الدول مع روسيا لا تقلّ قوة وأهمية، وهناك حوار استراتيجي رفيع المستوى بين الجانبين.
وقد عُقد الاجتماع الوزاري المشترك الأول للحوار الاستراتيجي بينهما بمدينة أبوظبي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، وتم فيه التوقيع على مذكرة تفاهم. وفي يوليو/ تموز العام الماضي انعقدت في موسكو القمة الخليجية الروسية بنسختها السادسة من الحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي. وكان انعقاد القمة يمثل دلالة قاطعة على أن دول مجلس التعاون تريد تنويع الشراكات، وعدم الاعتماد على طرف واحد في المعادلات الدولية القائمة. فقد تغير العالم كثيراً، ولم يعد الغرب هو المركز السياسي والاقتصادي، بل أصبحت هناك أقطاب دولية متعددة، وعلى رأسها روسيا والصين.
ومن دون شك فإن نقطة الخلاف حول روسيا بين الاتحاد الأوروبي وبين مجلس التعاون الخليجي لن يكون لها أثر كبير في زعزعة الثقة بين الجانبين، فالمصالح المشتركة بينهما كبيرة ومتنوعة، وتميل هذه المصالح نحو الجانب الأوروبي الذي هو بحاجة إلى السوق الخليجية، وإلى الصادرات الخليجية وعلى رأسها النفط والغاز. ووفق بيانات صادرة عن الاتحاد الأوروبي، فإن هذا الاتحاد يعتبر ثاني أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث يمثل 11.1% من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون الخليجي في السلع مع العالم العام الماضي. 16.2% من واردات دول مجلس التعاون الخليجي جاءت من الاتحاد الأوروبي. وبالتالي احتل الاتحاد الأوروبي المرتبة الثانية كشريك استيراد لدول مجلس التعاون الخليجي، ورابع أكبر شريك تصدير لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث ذهبت 7.5% من صادرات المنطقة إلى الاتحاد الأوروبي. وبلغ إجمالي التجارة السلعية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في عام 2023 نحو 170.1 مليار يورو. وبلغت قيمة واردات الاتحاد الأوروبي 76.3 مليار يورو.
إن كل هذه الأرقام تكشف عن الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين الاتحاد الأوربي، والتي تتزايد عمقاً ورسوخاً بمرور السنين، في ظل احترام كل من الجانبين للآخر، وتقدير دوره المحوري في المنطقة والعالم.
[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق