هل تسمح بالذهاب إلى بعيد في اقتفاء «آثار غياب التجريد في المناهج»؟ الجولة طريفة، فيها المفاجآت التي تكشف لنا عواقب إهمال تطوير التعليم وربطه بالتنمية الشاملة، فعندما تصاب أنظمة التربية والتعليم بالجمود والركود، تواجه التنمياتُ المتعثرةُ تداعيات مأساوية: تخلّف المناهج العلمية، الرياضيات والفيزياء تحديداً، يوصد الأبواب والآفاق أمام مشاريع البحث العلمي. الفيزياء وحدها تتفرع منها مجالات بالعشرات، بالمئات. تنجم عن ذلك اقتصادات استهلاكية غير منتجة، تفاقم انعكاساتها هجرة العقول العلمية والتقانية، وعندما يكون إيقاع الاستثمار في العلوم أبطأ من الحلزون والسلاحف، تصدمنا الأنباء بالنوائب، من قبيل أن العالم العربي، منذ عقود لا ينتج ولا حتى واحداً من أهمّ خمسة آلاف منتج عالمياً. مضت على هذا الرقم سنوات، فهل تُرى حدث تقدّم يُذكر.
من هنا تتداعى المشكلات المعقّدة. لأن البلدان التي تُضيع عشرات السنين في إهمال التنمية الشاملة، تكتشف يوم لا ينفع ندم، أنها أوقعت نفسها في شراك جيوسياسية ككرة الثلج. العناد بالمجّان، في إمكان أيّ مكابر أن يسخر كما طاب له، قائلاً: هل يُعقل أن يؤدي عدم تطوير نظام التعليم إلى متتاليات عواقبها وخيمة على صعيد الجغرافيا السياسية، تنال من سيادة الدول؟
السؤال البسيط: أليس عجيباً أن قوى «الحضارة الغربية»، تبذل قصارى جهدها، بكل السبل الممكنة، بما فيها الدبابات على الأرض والقاذفات العملاقة في الجو وحاملات الطائرات في البحر، لمنع وصول المغضوب عليهم إلى العلوم والمعارف؟ عربيّاً، ماذا فعلوا بالعراق وعلمائه وشؤونه السيادية على ترابه؟ الإنتاج المباح المتاح للتنميات المتعثرة: المخلّلات، الفواكه المجففة، الزعتر، الخزامى...
أحياناً، تصبح حسابات الأحلام التي هي أبعد من الأوهام، أهمّ دعائم المنهجيّة في التحليل. هدّئ من روعك بنفحة من حلم معن بن زائدة: هل لعلماء الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء... العرب، وزن وازن وثقل ذو ثقالة، في الاقتصاد، الصناعة، الزراعة، وفي الصحة، تأسيس طرائق جديدة في الصناعات العسكرية، بينما نحن في سبات عميق؟ من حقك أن ترى هذه المسائل ثرثرةً بلا طعم، وتختصر الأمور بالقول الفصل: كم عدد مراكز البحث العلمي الرائدة في أربعمئة مليون عربي؟ بل أيسر من ذلك: كم عدد البحوث العلمية العربية، التي تنشر في المطبوعات العلمية المرموقة في العالم؟ أضعف الإيمان: كم عدد المجلات العلمية العربية؟ اذكر خمساً، ثلاثاً، اثنتين، وإن خفتَ فواحدة.
لزوم ما يلزم: النتيجة المأمونية: نسأل الخليفة العباسي حلاًّ علميّاً حاسماً. لكنه سيتبسّم ضاحكاً: كلاّ، فسلوكيّات الأمّة لا تدلّ على أنكم أدرى بأمور دنياكم.
عبداللطيف الزبيدي
[email protected]
0 تعليق