د.إدريس لكريني
عادة ما تحظى الانتخابات الرئاسية الأمريكية باهتمام دولي واسع، نظراً للمكانة التي تستأثر بها أمريكا كقطب وازن على المستوى العالمي، وحضورها القوي في ما يتعلق بمواجهة عدد من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، وتمثيليتها الوازنة داخل عدد من المؤسسات الإقليمية والدولية.
ضمن انتخابات رئاسية مشوقة ومثيرة بين دونالد ترامب الذي سعى إلى رد الاعتبار بعد فشله في الولوج إلى البيت الأبيض في عام 2020، وغريمته كمالا هاريس التي كانت تأمل الوصول إلى السلطة كأول رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية، تمكن ترامب من حسم الموقف والظفر بولاية رئاسية ثانية، بعد حملة انتخابية مثيرة.
إنها انتخابات التحدي بالنسبة لترامب، فقبل بضعة أسابيع دانته هيئة محلفين في نيويورك بكل التهم ال34 التي سبق توجيهيها إليه في قضية دفع أموال بصورة تخالف القانون. وعلى الرغم من إصراره على نفي التهم الثقيلة الموجهة إليه، وتأكيد براءته، فقد ظل يردد أن الحكم الحقيقي هو ما ستفرزه أصوات الناخبين الأمريكيين خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت قبل أيام.
وبغض النظر عن الإشكالات القانونية والسياسية التي يمكن أن تبرز في حال إدانته بشكل نهائي من قبل القضاء الأمريكي خلال هذه الولاية، فإن الظرفية الداخلية والدولية التي جرت فيها هذه الانتخابات تطرح الكثير من التساؤلات حول مدى قدرة الإدارة الأمريكية الجديدة على مواجهة عدد من التحديات المطروحة في هذا الخصوص.
بعد أربع سنوات من مغادرته للبيت الأبيض، تمكن ترامب من الفوز باكتساح بولاية رئاسية جديدة، حيث اعتبر نتائجها بمثابة أقوى عودة سياسية في تاريخ البلاد، بعد أن حظي بثقة فئة واسعة من الشعب الأمريكي، مبرزاً أنه مرحلته ستكون «مشرقة»، وبداية «لعصر ذهبي أمريكي».
فعلى المستوى الداخلي، ثمة مجموعة من الملفات المطروحة والتي تعهد ترامب بإيجاد حلول جذرية لها، كما هو الشأن بالنسبة لملف الهجرة غير الشرعية، فقد عبّر أمام أنصاره بولاية فلوريدا في أعقاب الإعلان عن فوزه بالانتخابات الرئاسية لعام 2024، عن نيته في إغلاق الحدود الأمريكية، كسبيل لوقف زحف المهاجرين غير الشرعيين نحو البلاد، كما تعهّد أيضاً بإعادة من عبروا الحدود إلى بلدانهم الأصلية.
ويتزامن وصول ترامب إلى البيت الأبيض مع تزايد حدة المشاكل التي تواجه الاقتصاد الأمريكي، بعد فترة من الازدهار الذي برز خلال عام 2023، فقد بدأ النمو الاقتصادي في التراجع بصورة متسارعة، ما أثّر سلباً على الأوضاع الاجتماعية للمواطن الأمريكي، ومن المنتظر أن تعتمد الإدارة الجديدة تدابير وإصلاحات تروم إنعاش الاقتصاد، والحد من نسبة الموظفين في القطاعات الحكومية.
أما على المستوى الخارجي، فثمة الكثير من الأولويات التي لا يستطيع الرئيس الجديد تجاهلها، ويتعلق الأمر بالعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة والذي ارتكبت خلاله الكثير من الجرائم الوحشية وخلف دماراً كبيراً داخل الأراضي المحتلة، من دون أي تدخل صارم وجدي من لدن الولايات المتحدة على امتداد أكثر من عام، سواء من خلال مبادرات انفرادية أو من داخل مجلس الأمن الذي تحظى فيه بالعضوية الدائمة وبحق الاعتراض.
ظل ترامب يردد على امتداد حملته الانتخابية بأنه رجل سلام، وسيحرص على منع نشوب حرب عالمية، ويبدو في هذا السياق أن خطابه نابع من مرجعيته كرجل أعمال، يتحرك بمنطق الربح الاقتصادي الذي لا يتحقق إلا في فضاء سمته السلام، ولو ذلك المفروض بالمنطق الأمريكي.
ويبدو أن ترامب الذي يجد الولايات المتحدة مطوقة بالانتقادات الدولية المتزايدة بسبب تجاهلها للجرائم المرتكبة أو دعمها العسكري والدبلوماسي والاقتصادي لسلطات الاحتلال، يسعى إلى فرض هدنة تقوم على وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، في مقابل إطلاق الرهائن الإسرائيليين، مع العمل بشكل متدرج من أجل إحياء عملية «السلام» بناء على حلّ الدولتين.
أما في ما يتعلق بالحرب الروسية – الأوكرانية، فثمة احتمال وارد في أن يتجه ترامب إلى بلورة وساطة يمكن أن تنهي هذه الحرب التي كلفت روسيا وأوكرانيا والغرب هدر الكثير من الإمكانيات المالية والاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت تطوراتها الميدانية تهدد بقيام حرب كونية، وذلك بطرح اتفاق تتعهد بموجبه أوكرانيا بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في مقابل انسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية واحترام سيادتها.
وارتباطاً بالملف النووي الإيراني، وتصاعد حدة التوتر بين طهران وتل أبيب، فمن المتوقع أن يستمر الرئيس الأمريكي على نفس سياسته الصارمة على مستوى تشديد الرقابة والضغط على إيران لمنعها من الولوج إلى النادي النووي بأي شكل من الأشكال، مع العمل على منع تطور التوتر الحالي إلى حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل، من خلال التركيز على وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية الجارية في قطاع غزة ولبنان.
ومن جانب آخر، يرى الكثير من المراقبين أن الإدارة الأمريكية ستمارس مزيداً من الضغوطات التجارية والاقتصادية على الصين، أما بخصوص ملف تايوان الذي شهد توتراً خلال السنوات الأخيرة، فيعتقد البعض أن بإمكان ترامب أن يدعم سياسة التعايش السلمي والتعاون بين الجانبين (تايوان والصين)، وفتح قنوات للحوار والتواصل بصورة تمنع خروج الأمور عن نطاق التحكم والسيطرة.
0 تعليق