ما هو الدرس الأهمّ الذي يجب استخلاصه من المسيرة الاتحادية في دولة الإمارات؟ لقد فازت بقصب سبق بيت أبي العلاء: «وإني وإنْ كنتُ الأخيرَ زمانهُ.. لآتٍ بما لم تستطعْه الأوائلُ». بلدان عربية كثيرة مضت على وجودها ألوف السنين، شهدت حضارات سادت ثم بادت، لكنها حين «استيقظت أمم من رقدة العدمِ»، نامت فكأنها ما قامت، وغفت كأنها اختفت.
في طبيعة الدول ما يشبه خصائص العناصر الكيميائية في فيزيائها. العناصر لا تقاس بالكتلة والوزن وعدد البروتونات والنيوترونات. ذرّة الهيدروجين هي أصغر العناصر، ولكنها عند الانصهار هي صانعة النجوم والشموس. عندما ننقل هذه المعادلة إلى صعيد فن تأسيس الدول وإعلاء بنيانها، ندرك أن الأمر يحتاج إلى أهمّ عنصرين يميّزان الإنسان: الإحساس بالزمن والقدرة على التعلّم.
أمس، احتفلت دولة الإمارات بعيد اتحادها الثالث والخمسين، وأمس كانت أغلبية دول العالم، موجودة قبل ثلاثة وخمسين عاماً. لكن، كم عدد البلدان التي انطلقت من عتبة تشبه اللاّتنمية في جميع الميادين، لتبلغ في خمسة عقود أعلى مستوى في التنمية الشاملة؟ عند صفاء النشوء، كل الطرق تؤدي إلى الارتقاء.
إذا انطلقتَ من فن العمارة، فالأساس المتين يأتي أوّلاً، فما بني على باطل كان باطلاً. وإن رمت النسج على المنوال السياسي السليم، فالتزام الإدارة الفائقة والوزن بالقسطاس. وإن مال قلبك إلى نقاء العرفان، فعليك بمقولة ذلك الصوفي الكبير: «كل ما يشغلك عن الطريق، يستوي فيه الكفر والإيمان، وكل ما يصرفك عن الحبيب، يستوي فيه القبح والجمال».
عند مقارنة مسيرات الدول في العقود الخمسة الأخيرة، ندرك أن دولة الإمارات لم تُضِع الوقت في الثرثرة السياسية الحزبية، ولا في الوعود الوهمية الاقتصادية، وأطلقت العنان لحرية الابتكار والتنافس وتكافؤ الفرص. هذه المبادئ البسيطة في ظاهرها، الممتنعة على الأكثرية، جعلت التنمية الشاملة هي الهدف. صارت دافعاً إلى تكامل القطاعين العام والخاص، في التنافس، كلاهما يريد أن يكون الأفضل.
لم يبقَ مجال لاستشراء الفساد الإداري، بفضل المتابعة والمراقبة واستقلال القضاء. التفكّر في هذه المبادئ الجوهرية، يُرينا كيف استطاعت الإمارات الفتيّة، أن تغدو أهمّ مركز جاذبية على الكوكب، لأكثر من مئتي جنسيّة، تنعم بانفراج اجتماعي بلا نظير، وقوة استقطاب للاستثمارات والمال والأعمال، وللمواهب والكفاءات في جميع الميادين.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستدراكية: لا مفرّ من نغمة صبا، فما الذي كان يُعجز العالم العربي كلّه عن الاحتفال بتنمية عربية متألّقة؟
0 تعليق