الآن، وقد بدأت منذ فجر 12/8/ 2024 مرحلة مفصلية في تاريخ سوريا الحديث، فقد حان وقت عودة العشرات، بل المئات من الفنانين والكتّاب والأدباء والمفكرين السوريين إلى بلادهم للانخراط فوراً في بناء مرحلة جديدة تفرض نفسها على الواقع الثقافي في بلد تَعطّلت فيه، وعلى مدى حوالي عقد ونصف العقد من الزمن، كل عناصر الإبداع الفني والأدبي بسبب ظروف الحرب والتهجير القسري والإرادي الذي طال بالضرورة قطاع الثقافة في سوريا.
سوريا بلد أصالة أدبية وثقافية منذ مئات السنوات. هي سوريا سليمان الأحمد، ونزار قباني، وأبو ريشة، وممدوح عدوان، وعلي الجندي، ومحمد الماغوط، ونبيل سليمان، وسعدالله ونوّس، وصادق جلال العظم، وجمال سليمان، وغادة السمّان، وصباح فخري.
وقبل هذا الصف العظيم والجميل من الكتّاب وأهل الأدب والفن، سوريا هي أيضاً بلد أبي العلاء المعرّي، وأبي فراس الحمداني، وديك الجن الحمصي، وزارها ابن عربي ودفن فيها، وعاش فيها عبدالوهاب البياتي قادماً من العراق، ودفن فيها، وعاش فيها أيضاً مظفر النوّاب، وصف طويل من العراقيين، كما عاش في سوريا الأردني غالب هلسا. وفي المقابل، أنجبت سوريا أدونيس، ويوسف الخال، وهذان العلمان وغيرهما ذهبوا إلى لبنان، وفي بيروت أسسوا للحداثة الشعرية العربية الجديدة.
غنّت فيروز للشام، وكعادتها غَنّت لمدينة وما كان لها أبداً أن تغني لاسم سياسي أو أيديولوجي أو طائفي، وفي دمشق اتخذت البيعة الشعرية العربية الأولى من نوعها وهي انتخاب أحمد شوقي أميراً للشعراء.
بين مصر وسوريا من ناحية الدم الثقافي هناك قربى لا انفصام لها مطلقاً.. عشرات من الموسيقيين والمغنّين والفنانين السوريين أخذوا امتياز الإبداع من القاهرة، وجاء إلى دمشق من القاهرة من أراد أن يدرس فن المقامات الحلبية، وهذه حكاية أخرى من الجماليات السورية التي لا تموت.
حلب مدينة المقام الموسيقي والتخت الفني الحيّ في الذاكرة الشامية، والشام كانت بلاد الهلال الخصيب، والأمل أن يعود هذا الخصب المادي والمعنوي إلى الشام وإلى هلالها الرائع انطلاقاً من فجر 12/8/ 2024، لكي تستعيد سوريا الإنسان والثقافة والتاريخ والأدب والفن والعلم مكانها ومكانتها السيادية الريادية باستقلالية ثقافية بعيداً عن أي تكتلات أو جماعات أو حزبيات أو سياسات من شأنها أن تفسد الثقافة، وتشوّه رمزيتها الحضارية والمدنية.
سوريا الثقافة والفنون والعلوم والآداب، سوريا الجامعات، سوريا التعليم، سوريا حقول القمح وأعراس الياسمين، سوريا بردى النهر والرمز والمجرى في عروق الشوام.
سوريا حوران وامتدادات خير الأرض وخير السماء. سوريا الرزق المكنوز في التراب وفي الماء. سوريا الشعر والفن الذي ينظف قلب الإنسان ويجعله أكثر تسامحاً وطيبة وجمالاً بشرياً، كما خلقه الله في أحسن تقويم.
هذا كله ما يحلم به كل من يحب الشام «شآم عادت شمسك الذَّهَبُ». بصوت فيروز، لا بصوت نيرون.
[email protected]
0 تعليق