من يتفوق على أمريكا؟ - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لا يمكن تجاهل تهديد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بمعاقبة أي دولة أو مجموعة دول تستهدف إزاحة الدولار الأمريكي عن مكانته كعملة احتياط دولية أولى. فبإمكان الولايات المتحدة أن تضر بأي دولة حتى لو لم تكن لها علاقات تجارية معها، أي قد لا تتضرر من فرض رسوم وتعرفة جمركية عليها. فمكانة أمريكا كأكبر اقتصاد في العالم وأكبر سوق مالي تجعلها قادرة على الإضرار بغيرها بطرق كثيرة ليس أقلها أن تحرمها من الوصول إلى السوق الأولية أو الاقتراض حتى من السوق الثانوية أو عبر تمويل ثنائي مباشر.
بالطبع لا تتحمل أي دولة ذلك من دون أن يؤثر سلباً في اقتصادها بشكل أو بآخر. إلى جانب مكانتها الاقتصادية، تعد الولايات المتحدة أكبر قوة عسكرية في العالم بأغلب معايير حساب القوة العسكرية. وفي هذا السياق لا يضاهيها أحد، وهو ما يعطيها ميزة فرض مصالحها في أغلب مناطق العالم استناداً إلى قوتها العسكرية حتى لو لم تستخدمها.
والحقيقة أن قوتها العسكرية تدعم أيضاً قوتها المالية، فأمريكا هي أكثر بلد في العالم يعيش بأكثر مما تسمح موارده ويقترض من بقية العالم المليارات يومياً عبر أسواق «وول ستريت» وأوراقها المالية وسندات الخزانة الأمريكية وغيرها من سندات الدين للشركات والأعمال. المثير أن العالم يتنافس على إقراض أمريكا، لأن في ذلك فائدة ليس فقط من ناحية العائد وإنما للثقة في الاقتصاد الأمريكي بأنه مرن بما يكفي لتفادي الصدمات وبالتالي فديون الآخرين عليها مضمونة.
كل ذلك لا خلاف عليه، لكنه لا يعني أن أحداً لا يستطيع التفوق على أمريكا. فمنذ ثمانينات القرن الماضي، ركزت الصين على التحول الاقتصادي حتى أصبحت الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بل إن هناك من يعدها أكبر اقتصاد في العالم بالفعل إذا قيس حسب الناتج المحلي الإجمالي بمكافئ القوة الشرائية، ولم يحسب بسعر الصرف بمعيار الدولار الأمريكي. لكن تظل الصين بعيدة جداً عن وضع الولايات المتحدة العالمي المتفرد.
إنما لا يعني كل ذلك أن أمريكا، مثل أي بلد أو قوة، يمكن التفوق عليها. صحيح أن ذلك ليس بطريقة مضاربات السوق وإنما يمكن أن يتم بالتراكم وعلى المدى الطويل.
أتصور أن نقطة الضعف الأكبر في الولايات المتحدة هي التعليم. نعم التعليم، ومن دون اندهاش لدى من يرسلون أبناءهم للتعليم في أمريكا طالما يقدرون على ذلك مالياً باعتبار أنه ميزة على التعليم المحلي أو غيره في أوروبا أو آسيا.
حين زرت الولايات المتحدة للمرة الأولى مطلع تسعينات القرن الماضي استغربت من كمية الإعلانات في الصحف من الجامعات والمدارس العليا عن التخفيضات والتنزيلات في أسعار الشهادات المختلفة. ورغم أنني كنت أعلم أن التعليم في أمريكا هو «بزنس» مثل أي أعمال أو تجارة أخرى لكني لم أكن أتصور أنه متروك لآليات السوق بهذا الشكل. واهتممت وقتها بالقراءة عن التعليم في أمريكا ومقارنته بالتعليم في أوروبا وغيرها ولماذا يرسل الأثرياء الأمريكيين أبناءهم إلى بريطانيا مثلاً لتلقي التعليم العالي.
لم أفاجأ بانتقادات هنا وهناك من قبل معلقين وكتّاب أمريكيين مرموقين لنظام التعليم وعرضهم أرقاماً وإحصاءات نتيجة دراسات أكاديمية محكمة تظهر تراجع مكانة خريجي النظام التعليمي الأمريكي أمام غيرهم في أوروبا وآسيا. لم يتحسن الوضع بعد عقود، بل على العكس ربما ازداد تدهوراً. ففي دراسة أجريت قبل خمس سنوات على الطلاب في سن 15 عاماً تفوق الصينيون على الأمريكيين في كل جوانب التعليم، خاصة في الرياضيات.
صحيح أن نظام التعليم في الصين يختلف عنه في أمريكا، حيث الأول أقرب لنظم التعليم الحكومية في بلادنا يركز على المواد الدراسية بينما نظام التعليم الأمريكي يعطي مساحة أوسع للنشاطات خارج المناهج، لكن المحصلة أن المخرجات متباينة تماماً. ومهما كانت فرص الإبداع في نظام يسمح بالأنشطة غير التعليمية الصرفة فإنه لا يعوض الافتقار إلى أساسيات المعرفة من لغات ورياضيات ومواد إنسانية وعلمية أكاديمية. فتلك الأخيرة أساس أي نهضة لأي بلد.
هناك فرصة ذهبية الآن لمن يريد أن يتفوق على أمريكا هي الاهتمام بالتعليم والاستثمار فيه. خاصة أن هناك أربع سنوات مقبلة يسيطر فيها شخصان يتفقان على عدم أهمية التعليم: دونالد ترامب وإيلون ماسك. هما ليسا استثناء في ذلك بين طبقة من الأمريكيين التي تؤمن بأن النجاح في «البزنس» لا يحتاج لتعليم عال.
يطرح أمثال هؤلاء نماذج مثل ماسك الذي لم يكمل تعليمه وبرع في «البزنس» ليصبح أغنى رجل في العالم بقراءاته قصص الخيال العلمي ونظريات المؤامرة. ثم هناك بيل غيتس ومارك زوكربرغ الذي طور وهو في المدرسة تطبيقاً للموسيقى يستخدم الذكاء الاصطناعي ليضع لكل مستخدم قائمة مفضلاته الموسيقية، نعم، فالذكاء الاصطناعي ليس ابتكاراً حديثاً وإنما تطوير لبرامج كمبيوتر تعتمد خوارزميات الاختيار العشوائي.
برأي ترامب وماسك وأمثالهما أن الشباب ليس بحاجة للتعليم وأن «الشهادات» لا قيمة لها لأنها تعيق الابتكار. ليس مهماً كم ستفرز أمريكا من مليارديرات نجحوا في «البزنس» من دون تعليم عال من بين الملايين في سن التعليم، وليذهب البقية للأعمال الأخرى أو يصبحوا سوقاً كبيرة للترفيه والمخدرات.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق