تمثل الاستباحة الإسرائيلية للأراضي السورية وأجوائها ومياهها الإقليمية وشنها حرباً واسعة على القواعد العسكرية ومخازن الأسلحة والسفن والطائرات والمراكز البحثية وتوغل قواتها لمسافة 25 كيلومتراً عن دمشق، دلالة كافية لفهم ما جرى في الأيام القليلة الماضية، ومقدمة استباقية لما يتجه إليه الوضع في سوريا خلال المرحلة المقبلة المزدحمة بأسئلة مصيرية عن مستقبل هذا البلد.
لم تخف إسرائيل ابتهاجها بأنها دمرت مقدرات الجيش السوري بأكبر عملية جوية في تاريخها، وشملت كل المحافظات والمدن والمناطق، وقد حدث ذلك بعيداً عن الأضواء ومن دون أي مقاومة تذكر، بينما الفصائل المسلحة منتشية في دمشق بنهاية نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وهناك شرائح من الشعب في حالة من الصدمة والذهول والقلق مما يحدث وما قد يأتي.
وربما يكون مفهوماً أن سقوط نظام الأسد كان نتيجة متوقعة بعد سنوات من الحرب الأهلية وتعذر الحل السياسي وارتكاب أخطاء كبيرة، أسهمت فيه أطراف عدة، لكن مسارعة إسرائيل، بهذه الفجاجة، إلى شن حرب من طرف واحد على ما بقي لسوريا من مؤسسات وأجهزة ومنشآت استراتيجية، يعني أن هناك دفعاً إلى فوضى كبيرة، وتدميراً شاملاً لمؤسسات الدولة، وضرباً لأية مقومات للتعافي، وإسقاطاً لهذا البلد بين براثن الفتنة والإرهاب والانقسام المجتمعي الحاد.
منذ سنوات طويلة، خرجت سوريا من معادلات المنطقة، وتحديداً منذ إخراج قواتها من لبنان، ثم دخولها في حرب أهلية دامية وتحولها إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية على حساب تطلعات شعبها وسيادة أراضيها. أما اليوم فهي مهددة بالخروج من معادلات الجغرافيا أيضاً؛ لأن ما يبدو مرسوماً يطرح مخاوف جدية عن نوايا لمحو شخصيتها الوطنية وتقسيم أراضيها، وجعلها نهباً للنزعات المتشددة والتدخلات الأجنبية، وخصوصاً من الجانب الإسرائيلي الذي دفع بقواته للسيطرة على مساحات واسعة من المنطقة المنزوعة السلاح التي أقرتها اتفاقية فصل القوات الموقعة عام 1974، إثر الحرب العربية الإسرائيلية. والخطِر في الأمر أن هذا التوغل قد يؤسس لقواعد متقدمة تسمح لاحقاً باحتلال منطقة قد تشمل دمشق العاصمة، ولن تعجز إسرائيل عن اختلاق الذرائع إذا ارتأت أن ذلك يخدم مصلحتها ويصب في مشروعها التوسعي.
ما يحدث في سوريا منذ نهاية الأسبوع الماضي لا يمكن التهوين من تداعياته، ونظراً لقتامة المشهد لا يترك من خيار إلا أن يعي كل السوريين خطورة هذه اللحظة المؤلمة، وأن ينتبهوا إلى ضرورة فض القضايا الخلافية بسرعة والتركيز على الخطوة التالية، التي لا يجب أن تكون قفزة في الفراغ؛ بل صادرة عن إرادة جامعة للحفاظ على ما بقي من وطنهم سوريا ومؤسساته، وهي ليست ملكاً لشخص أو نظام؛ بل هي ملك الشعب السوري. وإذا سادت العقلانية والتواضع أمام المخاطر، فيمكن للسوريين أن يبنوا نظاماً جديداً قائماً على المصالحة والاعتدال والتنوع، ويسلكوا نهجاً جديداً يعيد سوريا فعلاً إلى حاضنتها العربية الحقيقية، لتنجو من المشاريع الهدامة، ومنها المشروع الإسرائيلي، الذي ينفذ مخططاً جهنمياً واضح الدوافع والمراحل والأهداف، ولا يجب الوقوع في فخاخه إذا كانت هناك إرادة تتعلق بالمستقبل ولا تبقى أسيرة الماضي وأخطائه الفظيعة.
0 تعليق