يُطلّ علينا اليوم العالمي للغة العربية، لنستذكر الدور الحضاري الذي لعبته لغتنا عبر القرون، ولا تزال تلعبه اليوم كجسر بين الماضي والحاضر، وكأداة حيوية للتواصل الفكري والثقافي، فاللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل هي وعاء الهوية وحافظة التراث، وهو ما يجعل الحفاظ عليها، وتعزيز مكانتها واجباً مشتركاً بين الأفراد والمؤسسات.
فـــي هذا السياق، تبرز الشارقة منارة ثقافية سبّاقة في خدمة اللغة العربية، مستثمرةً كل الإمكانات المتاحة، بما في ذلك التكنولوجيا الحديثة، ومن بين الجهود البارزة التي تتبناها الإمارة، يأتي المعجم التاريخي للغة العربية، أحد أعظم المشاريع التي تم إطلاقها، هذا المعجم لا يُعد مجرد مرجع لغوي تقليدي، بل هو مشروع أمة لا يضاهيه مشروع في تاريخ العربية منذ مئات السنين، يجمع بين أصالة التراث وروح الابتكار، حيث يعتمد في نسخته الرقمية على تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة، لتحليل وتوثيق الكلمات العربية عبر العصور، ما يفتح آفاقاً جديدة لتفاعل الأجيال مع لغتهم.
إن هذه المبادرة، التي تضم أكثر من 20 مليون كلمة، تُعَد شاهداً على رؤية صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بعيدة المدى التي تتطلع إلى جعل اللغة العربية لغة قادرة على المنافسة في القرن الواحد والعشرين، فهي لا تقتصر على حفظ الكلمات ومعانيها، بل تُقدِّم أيضاً سياقاتها التاريخية والثقافية، ما يجعلها أداة تعليمية غنية تعزز الفهم العميق للغة لدى الناطقين بها والمتعلمين لها.
ولا يمكن إغفال الجهود الأخرى التي تقودها الشارقة، مثل تدريب المعلمين وتطوير المناهج الدراسية التي تركز على جعل اللغة العربية أكثر حيوية في الفصول الدراسية، فهذه الجهود تتكامل لتعزيز ارتباط الطلاب بهويتهم الثقافية واللغوية، وإعداد جيل جديد يدرك أن اللغة العربية ليست لغة الماضي فقط، بل لغة المستقبل أيضاً.
وفي ظل هذه الإنجازات، يبقى التحدي الأكبر هو إشراك المجتمع بكافة أطيافه في هذه الجهود، وتوجيه طاقات الشباب نحو تبني اللغة العربية كخيار أساسي للتعبير والإبداع، وهذا يتطلب رؤية شاملة تتعاون فيها المؤسسات الثقافية والتعليمية والإعلامية.
من هنا، فإن يوم اللغة العربية العالمي ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل هو دعوة للتأمل في مسؤوليتنا الجماعية تجاه هذه اللغة العظيمة.
تمتلك لغتنا من المرونة والقوة ما يؤهلها للاستمرار والتجدد، فلتكن الشارقة نموذجاً يُحتذى به في هذا الطريق، ولتكن جهودها منارة للأمة العربية بأسرها.
0 تعليق