دبلوماسية ملء الفراغ - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لا تقتصر الهرولة الغربية في دمشق على التعرف إلى الإدارة الجديدة، وتقديم الدعم للشعب السوري، واستكشاف آفاق ما يمكن أن تذهب إليه القيادة الفصائلية الجديدة التي كانت، حتى وقت قريب، منبوذة ومحكوماً عليها بالإرهاب، بقدر ما تستهدف محاولة ملء الفراغ الناجم عن سقوط النظام وانسحاب قوى أخرى كانت لها الكلمة الفصل في مجريات ما يحدث على الساحة السورية.
من غير المشكوك فيه، أن تحولاً كبيراً وتغييراً استراتيجياً حدث في سوريا جراء سقوط النظام السابق، وربما يكون من حق الدول أن تراجع سياساتها وتبني مواقفها وفق مصالحها في ضوء الواقع الجديد. لكن اللافت هنا هو هذا الاستعجال في «الهرولة»، فرادى وجماعات، نحو إدارة جديدة لم تتضح ملامحها بعد، بينما البلاد في حالة من عدم الاستقرار، فلا الإدارة الجديدة استقرت، حتى الآن، على بناء نظام وطني ديمقراطي جامع في إطار عملية انتقال سياسي شاملة لكل مكونات المجتمع السوري، وفق القرار 2254 كما يطالب المجتمع الدولي. ولا الدول المتسابقة على التواصل مع «هيئة تحرير الشام»، وكأنه إنجاز بحد ذاته، أفصحت عن أهدافها النهائية، باستثناء ما صرّحت به علناً ممثلة السياسة الخارجية الأوروبية الجديدة كايا كالاس، حول إبعاد روسيا وإيران عن الساحة السورية. 
وفي الحالتين، ثمة ملاحظات أساسية يُفترض أن تؤخذ في الاعتبار، أولاها أن الشعارات وحدها لا تكفي للحكم على الإدارة الجديدة، مثل سوريا لكل السوريين، وأن الجميع معني ببناء سوريا الجديدة، ووحدة سوريا وسيادتها الكاملة على أراضيها.. وغيرها من الشعارات العامة، ما لم تتم ترجمة ذلك عبر حوار وطني شامل، ومن دون ضغوط خارجية. 
وثانيها أن تتخلى الدول المستعجلة للعلاقات مع دمشق، تحت ستار الدعم وتقديم المساعدات، عن مقولة «هناك طرفان خاسران وطرفان رابحان»، جراء سقوط النظام السوري، وفي ضوء هذه المعادلة يمكن وضع «خريطة طريق» للتعامل مع الإدارة الجديدة. وهي مقولة مضللة إلى حد بعيد، خصوصاً، كما يقول الأوروبيون، أن روسيا وإيران تخلتا عن السوريين عند الحاجة، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليهما، وأن الغرب هو من يمد الآن يد المساعدة، وهو الذي يُمكن الاعتماد عليه. 
وهذا في حد ذاته نوع من الضغوط المسبقة على خيارات السوريين التي ينبغي ممارستها بشفافية واستقلالية كاملة، وهو أيضاً ما يفقد الغرب مصداقيته في الحديث عن الحقوق والحريات وسيادة الدول، خصوصاً أننا لم نر من الغرب موقفاً حازماً من احتلال إسرائيل لمساحات واسعة من الأراضي السورية، أو التدمير الشامل للمقدرات العسكرية للدولة السورية، ولا حلاً للمشكلة الكردية في شمال شرقي البلاد.
من المفيد التروّي في إدارة العلاقات مع القوى الجديدة في دمشق، وربط العلاقات معها، بما في ذلك الاعتراف بالسلطات الجديدة، بالأفعال لا بالأقوال، لكن من المهم أيضاً إعطاء الفرصة للسوريين لتقرير مصيرهم بأنفسهم، وعدم اللهاث وراء تقاسم الحصص والنفوذ.
 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق