توجّس وقلق عربي مما حدث في سوريا، ومن اجتياح إسرائيلي للمنطقة العازلة في مرتفعات الجولان السورية المحتلة وسط صمت دولي مريب. فهل نحن بصدد توجّه البوصلة إلى دولة عربية أخرى؟
في تصريح للرئيس عبد الفتاح السيسي عن البنية الهندسية التي يتم تشييدها في مصر، قال إن ذلك يسمح للجيش بتغطية التراب المصري بأكمله خلال ست ساعات فقط، وهذه رسالة شديدة الوضوح عن التحوطات الأمنية الكبرى في القطر العربي؛ استعداداً لأي تحولات تفرض عليه. وقبله سمعنا تصريحات كثيرة لقادة الجيش المصري عن أن سيناء ليست للبيع وهي مصرية خالصة، وأن الجيش المصري سيقاتل من أجلها لآخر قطرة دم. والحقيقة أن الوضع الحالي لا ينبئ بمواجهة مع إسرائيل، ولكن لا شيء ثابت بعدما حدث في سوريا من تحول دراماتيكي أنجز في غرف مغلقة وضمن صفقات سرّية هدفها إعادة رسم خريطة المنطقة. ومن الطبيعي أن تكون مصر ضمن هذه المعادلة المراد تغيير جغرافيتها.
ضمن هذا السجال واصلت وسائل الإعلام الإسرائيلية للأسبوع الثاني تحذيراتها الشديدة من سباق تسلح الجيش المصري وتعاظم قوته العسكرية في فترة زمنية وجيزة، ملوّحة باحتلال سيناء مرة أخرى إذا استمر التهديد. ونشرت القناة «السابعة» الإسرائيلية، تقريراً مطولاً، حول قوة الجيش المصري، ووجهت سؤالاً للقيادة الإسرائيلية قائلة: «هل يغمض النظام الأمني والسياسي الإسرائيلي عينيه أمام التهديد العسكري المتزايد على حدودنا الجنوبية؟ وأضاف تقرير القناة العبرية المعروفة بميلها لليمين المتشدد في إسرائيل، والذي أعده محررها العسكري شمعون كوهين، أن مصر في سباق تسلح وليس من الواضح لماذا. وقالت القناة إن عدداً غير قليل من التقارير الإعلامية الإسرائيلية حذرت من التسليح الضخم لمصر، ويرى الكثيرون أن ذلك بداية تهديد تختار إسرائيل حالياً تجاهله.
هذا الاهتمام الإعلامي الإسرائيلي يكشف رغبة حقيقية في ألا تكون مصر دولة قوية عسكرية. ذلك أن إسرائيل وحلفيها الأمريكي قد نجحا في تدمير أكبر الجيوش العربية، وتم نزع أسلحتها، وهي ثلاث دول كانت مصنفة أمريكياً ضمن الدول المارقة؛ وهي: ليبيا والعراق وسوريا التي جرّدتها إسرائيل من ترسانتها العسكرية خلال أيام قليلة. وحتماً لن ترضى إسرائيل باستمرار وجود قوة عسكرية بحجم الجيش المصري تقف على حدود فلسطين التاريخية. وعليه فإنّ المواجهة، وإن كانت غير قائمة الآن، فإن المستقبل قد لا يمنعها، وإسرائيل ستستعمل كل أدواتها، وخاصة الصفقات السرية، لتحقيق أهدافها الكبرى. ويعتبر الكاتب المصري محمد فايز فرحات في مقالة له أن ما يحدث في المنطقة هو نتيجة لصفقات سرية تحاك في الخفاء وتعزز نظرية المؤامرة؛ إذ يقول: لقد انتُقد أنصار نظرية المؤامرة بأنهم يفترضون أن العلاقات الدولية تجري دائماً وفق «صفقات سرية» غير معلنة، وكأن التفاعلات الدولية تجري داخل صندوق أسود يصعب فهمه. التفاعلات الدولية بطبيعتها لا تجري بشكل كامل في العلن، ولا تتم بشكل شفاف، جزء من هذه التفاعلات يجري على السطح، في شكل الاتفاقيات والإعلانات الرسمية، واللقاءات والتصريحات.. إلخ، بينما يجري جزء آخر منها تحت السطح. هذا هو واقع العلاقات الدولية. لكن العديد من الظواهر والتطورات الدولية الراهنة يتم التجهيز لها كاملاً تحت السطح في شكل صفقات، ولا نرى سوى نتائجها النهائية على الأرض، الأمر الذي يُكسِبُ هذه الصفقات، فعلاً، إحدى سمات «المؤامرة»، خاصة أنها باتت تجري بأدوات غير رسمية وغير شرعية، إلى حد توظيف التنظيمات الإرهابية والميليشيات العسكرية في بعض الحالات، بل قد تكون هذه الأخيرة أطرافاً رئيسية في هذه الصفقات. ويقول إبراهيم الدسوقي رئيس تحرير الأهرام المصرية: ما من شك في أن إسرائيل تعدّ المستفيد الأكبر مما جرى في سوريا، وما شهدته من تطورات دراماتيكية، فقد تخلّصت من عدة عصافير بضربة واحدة، وفقاً لحساباتها وتقديراتها، فقد اختفى النفوذ الإيراني، هاجسها الأكبر، بعد سقوط نظام بشار الأسد، الذي تحالف مع طهران ألد خصوم تل أبيب، ويقول الكاتب المصري فاروق جويدة: يجب ألا تتمادى إسرائيل في طغيانها، وأن تراجع أطماعها، وتعيد حساباتها، ولا تتوهم أنها انتصرت..
إن وهم الانتصار الذي جعل إسرائيل تعربد في العالم العربي يحمل شواهد نهايتها، والأخطبوط الأمريكي لن يستطيع أن يبتلع الوليمة كلها.. والشعوب العربية قادرة على أن تعيد ترتيب الأوراق، وتتخلص من جوانب القصور فيها.
إن واقع الحال لا يكشف غير وجه الهزيمة العربية المتراكمة منذ احتلال بغداد في بداية هذا القرن الجديد، والتي كانت آخر حلقاتها ما يحدث في سوريا. ولكن هذه الشعوب استبطنت دائماً شعور المقاومة والنهوض من جديد. وهذا النهوض يجب أن يستند إلى قواعد صلبة بدلاً من اجترار الهزائم والخيبات.
[email protected]
0 تعليق