تحقيق: أمير السني
في ظل الرسوم المدرسية العالية في المدارس الخاصة، يواجه العديد من أولياء الأمور ضغوطاً مالية تجعلهم يتخذون قرارات بشأن تسجيل أبنائهم في المدارس، من بينها تأجيل تسجيلهم حتى الفصل الدراسي الثاني، تفادياً لتحمل الرسوم المرتفعة للفصل الأول.
وعلى الرغم من أن هذا القرار قد يبدو عملياً من منظور مالي، إلا أنه يحمل تأثيرات سلبية على الطلاب، بسبب دخولهم المدرسة في منتصف العام الدراسي مقارنة بزملائهم الذين حضروا منذ بداية العام.
وطالب عدد من التربويين وأولياء الأمور المدارس الخاصة بتسهيل عمليات التسجيل وإتاحة وقت مرن في تسديد أقساط الرسوم الدراسية، حتى يتمكنوا من تسجيل أبنائهم منذ بداية العام.
يقول أسعد يعقوب إنه لديه خمسة أطفال في مراحل دراسية مختلفة وهو يعاني توفير ميزانية مالية لتسجيلهم في المدارس الخاصة، ويضطر إلى تسجيل بعض الأبناء في المراحل النهائية منذ بداية العام، نسبة لأهمية المواد الدراسية التي تؤهلهم للجامعة والتي تتوجب أن يكون الطالب موجوداً في الفصل الأول.
ويضيف أنه يضطر إلى تأجيل تسجيل باقي الأبناء للفصل الدراسي الثاني، حتى يتسنى له توفير المبالغ المطلوبة، مطالباً المدارس الخاصة بإيجاد طرق أكثر مرونة في تسديد الرسوم والتمهل في تحصيلها، لأن الالتزام الصارم من المدارس فيما يتعلق بالرسوم المدرسية يجعله يسجل أبناءه في كل عام عند حلول الفصل الدراسي الثاني.
مسؤوليات
اضطرت ليلى عبد الباري «أُم لثلاثة طلاب» في مدرستين مختلفين، لتسجيل أبنائها في الفصل الدراسي الثاني، لكي تتمكن من جمع المبالغ المطلوبة، مشيرة إلى أن تكاليف الإجازة السنوية والسفر إلى بلادها، والعودة مرة أخرى تعتبر عبئاً إضافياً للميزانية ما يجعلها تؤجل التسجيل.
فيما يوضح إسلام صالح «والد لأربعة أطفال» أن بداية العام الدراسي الذي يصادف شهر سبتمبر، يواجه فيه تسديد الإيجار والعديد من المتأخرات المالية، ما يجعله يؤجل تسجيل أبنائه حتى الفصل الدراسي الثاني ليتمكن من جمع المبالغ المطلوبة للتسجيل ورسوم الكتب والترحيل.
وتدعو سناء عبد القادر «والدة ثلاث طالبات» إدارات المدارس الخاصة إلى إيجاد مرونة في تسهيل عملية التسجيل، موضحة أن تعنت بعض المدارس الخاصة في تسديد الرسوم وتحديد وقت ضيق لتسديد الأقساط يمنعها من تسجيل بناتها في الفصل الدراسي الأول، وتضطر لانتظار الفصل الدراسي الثاني حتى تتمكن من تسجيلهم.
متغيرات
يوضح التربوي سعيد النبوي أنه على الرغم من أن تأجيل تسجيل الأبناء قد يبدو حلاً عملياً لبعض الأسر، إلا أنه يحمل تحديات تؤثر في الطلاب والأسرة بشكل عام، ويبقى توفير تعليم عالي الجودة بتكاليف معقولة مطلباً ملحاً في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة.
وتطلب المدارس الخاصة رسوماً دراسية عالية قد تكون مرهقة للأسر ذات الدخل المتوسط أو المحدود، ولهذا يلجأ بعض أولياء الأمور إلى تأجيل تسجيل أبنائهم حتى الفصل الدراسي الثاني، ويعتبرون ذلك حلًا مؤقتًا يمكنهم من توفير جزء من الرسوم أو إعادة ترتيب أولوياتهم المالية.
ويشير إلى أن الطالب يفقد فرصته في التعرف على الأساسيات التي تُدرس في الفصل الأول، بسبب غيابه نتيجة للظروف المالية، وقد يؤثر فيه نفسياً بسبب دخوله المتأخر عن باقي زملائه.
ويشير إلى أن الطالب قد يواجه صعوبة في تكوين علاقات مع زملائه الذين سبقوه في بناء روابط اجتماعية بسبب الفجوة الزمنية التي تجعل العلاقات بين الطلاب الآخرين أكثر قوة وترابطًا.
وهذا التأخر في الانضمام قد يؤدي إلى شعور الطالب بالعزلة أو عدم الانتماء، خاصة إذا كانت المجموعات الاجتماعية قد تشكلت بالفعل حول اهتمامات أو أنشطة مشتركة.
ويضيف أن أهمية دور المدارس الخاصة تكمن في توفير حلول مرنة لدفع الرسوم الدراسية وتخفيف العبء المالي على الأسر، ما يسهم في ضمان استمرارية التعليم للطلاب دون التأثير على حياتهم الأكاديمية والاجتماعية، من خلال توفير خيارات مرنة للتقسيط، وخصومات تشجيعية، ودعم مالي أثناء الأزمات.
آثار
يبين الخبير التربوي الدكتور فاضل سنوسي أن تسجيل الطالب في الفصل الدراسي الثاني بدلاً من بداية العام الدراسي يمكن أن يترك آثاراً متعددة على المستوى الاجتماعي والنفسي، هذه الآثار قد تختلف من طالب لآخر، لكنها غالبًا ما تؤثر في تجربة التعلم والتكيف مع البيئة المدرسية.
ويوضح أن لحاق الطالب بالمقررات الدراسية التي فاتته قد تضعه تحت ضغط إضافي، فيضطر إلى مراجعة ما فات مع مواكبة المقررات الجديدة، ما يعني مضاعفة الجهد خلال وقت قصير، وقد يسبب ذلك شعورًا بالإرهاق والتعب.
وقد يشعر الطالب بالقلق من عدم القدرة على تعويض الدروس السابقة بشكل كافٍ، ما يؤدي إلى تراجع ثقته بنفسه والخوف من تقييم الآخرين له، إضافة إلى أن قصر الوقت المتاح لتعويض ما فات يجعل الطالب يعمل بوتيرة سريعة وغير متوازنة، ما يضعه تحت ضغط نفسي كبير، كما أن محاولة التركيز على الدراسة قد تجعله يضحي بالأنشطة الاجتماعية والرياضية التي تساعد على تخفيف التوتر، مما يزيد من عزله وتوتره.
ويدعو البادي للتنسيق الفعّال بين المدارس وأولياء الأمور والذي يعتبر أحد العوامل الأساسية لتسهيل عملية سداد الرسوم الدراسية، ما يساعد في تجنب الضغوط المالية وتحقيق استقرار أكاديمي للطلاب.
ويمكن لهذا التنسيق أن يعزز التعاون بين الطرفين ويسهم في إيجاد حلول مرنة تتناسب مع الأوضاع المالية المختلفة للعائلات.
خطط
ترى الخبيرة التربوية فاطمة البادي أن إعداد ميزانية مبكرة لتسجيل الأبناء في المدارس ضرورة ملحّة لكل أسرة تسعى لتوفير تعليم عالي الجودة دون الوقوع في ضغوط مالية، موضحة أن التعليم يمثل أحد أهم الاستثمارات طويلة الأمد التي يضعها الآباء في مستقبل أبنائهم، ويتيح التخطيط المبكر توزيع تكاليف التعليم على مدار العام، مما يقلل من العبء المالي الكبير في بداية العام الدراسي.
وتنبه إلى ضرورة وضع ميزانية مدروسة تضمن تغطية جميع التكاليف المرتبطة بالعملية التعليمية، مثل الرسوم الدراسية، والمناهج، والمواصلات، والأنشطة المدرسية، دون انقطاع، عندما تكون ميزانية التعليم واضحة، يمكن للأسر تنظيم أولوياتها المالية الأخرى بشكل أفضل، والميزانية المبكرة تقلل من الاعتماد على القروض أو التمويل الطارئ، ما يحمي الأسر من الوقوع في ديون غير مخطط لها، وعندما يعرف الآباء أن التعليم مغطى ماليًا، يصبحوا أكثر اطمئنانًا وأكثر قدرة على التركيز على دعم أبنائهم في العملية التعليمية.
فرص
يوضح الأخصائي الاجتماعي عبدالسلام الفاضلابي أن الفصل الدراسي الثاني مرحلة هامة في المسيرة التعليمية، حيث يتم استكمال المناهج الدراسية والتركيز على تحقيق الأهداف الأكاديمية، ويعد فرصة للطلاب لتعزيز فهمهم للمقررات الدراسية والمشاركة في الأنشطة المدرسية المختلفة، والتأخر في تسجيل الطالب يجعله يبدأ متأخرًا عن زملائه الذين قطعوا شوطًا في المناهج الدراسية، مما يولد شعورًا بالعجز عن مواكبته، كما يشعره بالعزلة الاجتماعية لأن الزملاء قد يكونوا بالفعل قد بنوا صداقات وروابط اجتماعية قوية، مما يجعل الطالب الجديد يشعر بالغربة وصعوبة الاندماج.
ويشير إلى أن الطالب الذي لا يسجل منذ بداية العام قد يشعر بالقلق من نظرة المعلمين والزملاء إليه كطالب متأخر أو أقل كفاءة، ما يضعه تحت ضغط نفسي دائم.
واجبات
وتحمّل الخبيرة التربوية إسراء وليد المدارس الخاصة مسؤولية توفير حلول مرنة لدفع الأقساط الدراسية لتخفيف العبء على أولياء الأمور وضمان استمرارية العملية التعليمية للطلاب، وتمكينهم من التسجيل منذ بداية العام الدراسي الأول، مشيرة إلى ضرورة أن تقدم المدارس الخاصة خيارات دفع مرنة تسمح للأسر بدفع الرسوم على أقساط مناسبة تساعد على توزيع التكاليف عبر العام وتسهل على الأسرة تيسير ميزانيتها.
وتضيف أن المدارس الخاصة عليها إجراء الترتيبات مع أولياء الأمور الذين يواجهون صعوبات مالية مؤقتة، مثل سداد الأقساط على دفعات أصغر أو تأجيلها لفترة زمنية محددة، وأن التواصل الجيد مع الإدارة يتيح لأولياء الأمور التعبير عن احتياجاتهم المالية والحصول على مشورة أو مساعدة إضافية في حال واجهتهم صعوبة في دفع الرسوم، والمرونة في دفع الرسوم تمكن الطالب الاستمرار في دراسته دون التشتت أو القلق حول توقف العملية التعليمية بسبب مشاكل مالية، ما يعزز استقرار البيئة التعليمية ويسهم في تحقيق النجاح الأكاديمي للطلاب
0 تعليق