لماذا الكويت الأكثر إنفاقاً والأقل تنمية؟ - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

مع التكليف الذي أصدره مجلس الوزراء لوزارة المالية 2 يوليو الماضي بتقديم تصوراتها حول الإصلاحات المالية والاقتصادية بما يضمن الاستدامة المالية للدولة وكذلك تعظيم الايرادات غير النفطية، وموافاة كافة الجهات الحكومية بمواطن الهدر في ميزانياتها، خرج الأسبوع الماضي إلى النور تقرير «الإنفاق الاجتماعي وكفاءة الإنفاق والاستدامة المالية... استراتيجيات لإعادة التوازن إلى ميزانية الكويت»، الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، رأت اللجنة أن الكويت الأكثر إنفاقاً والأقل في التنمية المستدامة، داعية إلى تنفيذ إصلاحات مالية وتنويع مصادر الدخل. التقرير الصادر الأسبوع الفائت والذي نشرت وسائل الإعلام أجزاءً منه، تنشر «الجريدة» نص التقرير كاملاً لتضعه بين يد المسؤولين، في ظل ما نص عليه من توصيات تساهم في إصلاح الاقتصاد، ويفتح معه باب التساؤلات، لماذا الكويت الأكثر إنفاقاً والأقل تنمية؟ وإلى متى تلتهم الرواتب النصيب الأكبر من الميزانية العامة للدولة؟ومن ضمن التوصيات التي نص عليها التقرير تنفيذ إصلاحات شاملة لتعزيز الاقتصاد الكويتي، وفي مقدمتها تنويعه من خلال تعزيز القطاعات غير النفطية، ودعم القطاع الخاص، وتحسين آليات جمع الإيرادات غير النفطية، وتبني موازنات تعتمد على الأداء، مع إنشاء منصات رقمية لتحسين الشفافية، وتعزيز الكفاءة.

في موازاة التوجيهات المستمرة من مجلس الوزراء لإصلاح الاقتصاد، وتسريع قوانين تطوير البنية التحتية والمدن الاسكانية والمشاريع التنموية، دعت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) الكويت إلى اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة في إدارة المالية العامة، إذ إن المجال لتطبيق الإصلاحات الضرورية يضيق سريعاً، مشددة على ضرورة الإسراع في اتخاذ إجراءات لمواجهة التحديات الحالية، وضمان استقرار المالية العامة على المدى البعيد، وتطبيق التوصيات العشر التي وضعتها، والتي من شأنها نقل الكويت نحو اقتصاد أكثر إدماجاً وإنصافاً وقدرة على الصمود.

وقالت «الإسكوا» في تقرير «الإنفاق الاجتماعي وكفاءة الإنفاق والاستدامة المالية... استراتيجيات لإعادة التوازن إلى ميزانية الكويت» الصادر الأسبوع الماضي، إن الكويت تقف أمام منعطف حاسم في مسيرتها الاقتصادية، إذ تواجه تحديات جوهرية في الاستدامة المالية وكفاءة الإنفاق الاجتماعي.

وأوضح التقرير أن الإنفاق العام للدولة يشكِّل 50 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، وهو معدَّل أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 37 في المئة، ومع ذلك تفتقر إدارة هذا الإنفاق إلى الكفاءة، حيث تسجل الكويت 0.54 على مؤشر الكفاءة، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 0.74.

مجال تطبيق الإصلاحات الضرورية يضيق سريعاً

وأشار إلى أن تحسين الكفاءة، لتصل إلى هذا المتوسط، قد يحقق وفراً مالياً يقدَّر بـ 6.8 مليارات دينار، أي نحو 27 في المئة من الإنفاق العام للدولة لعام 2023/ 2024.

وسلَّط التقرير الضوء على مشكلات في عدالة توزيع التحويلات الحكومية للأفراد، حيث تستفيد الأسر الأكثر ثراءً بنسبة 22 في المئة من إجمالي التحويلات، بسبب غياب آليات استهداف فعَّالة، مُوصياً بإعادة ترشيد التحويلات نحو الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض، والذي سيؤدي بدوره إلى توفير موارد مالية كبيرة لإعادة توجيهها نحو القطاعات التنموية الأكثر حاجة.

ودعا التقرير إلى تنفيذ إصلاحات مالية شاملة لتعزيز الاقتصاد الكويتي، في مقدمتها تنويع الاقتصاد، من خلال تعزيز القطاعات غير النفطية، ودعم القطاع الخاص، كما شدد على ضرورة تحسين آليات جمع الإيرادات غير النفطية، وتبني موازنات تعتمد على الأداء ومنصات رقمية لتحسين الشفافية، وتعزيز الكفاءة.



تحسين الخدمات العامة

وأكد أهمية تطوير الخدمات العامة، مشدداً على الاستثمار في الرعاية الصحية الوقائية وتحديث البنية التحتية الطبية، كما أوصى بتحسين التعليم، من خلال تدريب المعلمين، وتطوير المناهج الدراسية، إلى جانب توسيع المبادرات البحثية لدعم الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الطويلة المدى.

وأشار التقرير إلى أن مواءمة الاستراتيجية المالية للكويت مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة أمر مهم جداً لتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد. وقد يؤدي تنفيذ هذه الإصلاحات إلى تحسين تصنيف الكويت في المؤشرات العالمية، مثل: مؤشر التنمية البشرية، ومؤشر أهداف التنمية المستدامة، ما يضعها في مكانة أفضل لتحقيق تطلعاتها الاقتصادية والتنموية.

وتضمَّن تقرير «الإسكوا» عشر توصيات لحماية السلامة المالية في الكويت والحفاظ على المنافع الاجتماعية، مشدداً على أن الإجراءات الاستراتيجية الفورية كفيلة بتحقيق الازدهار على المدى البعيد، والحفاظ على الرفاهية الاجتماعية للأجيال القادمة.

ولفت إلى أن «الاقتصاد الكويتي، الذي يعتمد في الغالب على الموارد الطبيعية، يواجه تحديات مستمرة في تحقيق الاستدامة المالية والتنويع الاقتصادي، وحقق انتعاشاً بعد جائحة (كوفيد- 19)، لكنه يبقى عُرضة للتأثر بالصدمات العالمية وتقلبات أسعار النفط، نتيجة بطء وتيرة التنويع، وانخفاض إسهام الإيرادات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وكثرة الاعتماد على عائدات النفط».

وتابع: «لضمان الاستدامة المالية وتحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، على الكويت تحسين الاستفادة من الإنفاق العام، وتعزيز كفاءته، ومواءمة الإنفاق الاجتماعي مع أولويات التنمية الوطنية وأهداف التنمية المستدامة».

الناتج المحلي

وأكد أن نمو الناتج المحلي الإجمالي للكويت يعتمد اعتماداً كبيراً على عائدات النفط، التي شكَّلت 91 في المئة من الإيرادات الحكومية عام 2023، وأثرت التقلبات في أسعار النفط إلى حدٍّ بعيد على أرصدة المالية العامة، لتسفر عن عجز في معظم السنوات منذ عام 2015. أما الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، فارتفع بنسبة 47 في المئة بالعقد الماضي، لكن مساهمة الإيرادات غير النفطية لاتزال محدودة، إذ سجلت 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي عام 2023، وقد ترك هذا الاعتماد على عائدات النفط الاقتصاد عُرضة للتأثر بالصدمات الخارجية، وهو ما يؤكد الحاجة المُلحَّة لإصلاحات هيكلية، لتنويع مصادر الإيرادات، وتحقيق الاستقرار في أرصدة المالية العامة.

وأشار التقرير إلى أن الاتجاهات التاريخية تبين شدة تأثر استقرار المالية العامة بتقلبات أسعار النفط، فعلى سبيل المثال أظهرت أرصدة المالية العامة فائضاً بنسبة 31 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في فترات ارتفاع أسعار النفط، بما في ذلك عام 2011. وفي فترات الركود، كما في عام 2020، ونتيجة لجائحة «كوفيد» وانخفاض أسعار النفط، تفاقم العجز، ليناهز 31.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

واعتبر أن هذه التقلبات دليل على الطبيعة الدورية للأداء المالي للكويت، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأسواق الطاقة العالمية، فلابد من وضع إطار مالي مستدام كفيل بدرء هذه المخاطر، وتحقيق استقرار اقتصادي على المدى البعيد.

الكويت أمام منعطف حاسم في مسيرتها الاقتصادية

كفاءة الإنفاق

وبيَّن أن الكويت تتميَّز بإنفاق عام سخي، لكنه أقل كفاءة مقارنة بالكثير من البلدان الأخرى. وعلى الصعيد العالمي، ترتبط فاعلية الإنفاق العام بتحقيق نتائج أفضل على مؤشر أهداف التنمية المستدامة الذي يقيس التقدُّم الذي تحرزه البلدان على صعيد مؤشرات أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر. ويكشف أداء الإنفاق العام في الكويت على مؤشر أهداف التنمية المستدامة عن درجة كفاءة تبلغ 0.54، على مقياس من 0 إلى 1، أي أن الدولة بالكاد تجاوزت حد الوسط من حيث الكفاءة في الإنفاق العام، وهذه الدرجة أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 0.74 ومتوسط البلدان المرتفعة الدخل البالغ 0.85. وينطوي انخفاض كفاءة الإنفاق العام على هدر كبير في الموارد العامة.

وذكر أنه من شأن تقريب درجة الكفاءة من مستوى المتوسط العالمي أن يوفر نحو 6.8 مليارات دينار، أي ما يعادل 27 في المئة من ميزانية الإنفاق العام لعام 2023/2024. ويمكن إعادة توجيه هذه الوفورات إلى قطاعات حيوية، بما في ذلك: التعليم، والرعاية الصحية، والبنية التحتية، لدفع عجلة التنمية المستدامة.

التنمية المستدامة

وأوضح التقرير أن الإنفاق العام في الكويت من الأقل تأثيراً بين دول مجلس التعاون الخليجي من حيث تحقيق أهداف التنمية المستدامة، إذ إن معظم هذه الدول تحقق نتائج أفضل على مؤشر التنمية البشرية بإنفاق أقل مقارنة بالكويت. وبينما تنفق الدولة أكثر من معظم دول مجلس التعاون كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، تحقق درجات أقل على مؤشر التنمية البشرية مقارنة بنظيراتها، مثل قطر والإمارات. وعلى الصعيد العالمي، حققت حوالي 22 في المئة من البلدان، أي 41 بلداً من أصل 184 بلداً في العينة، نتائج أفضل في مجال التنمية البشرية مع إنفاق أقل مقارنة بالكويت، ويظهر هذا التباين أوجه قصور في تخصيص الإنفاق واستخدامه، كما يبرز الحاجة إلى إصلاحات شاملة تحسِّن استخدام الموارد والنتائج الإنمائية.

وأوضح أن درجة الكويت بلغت 0.432 على دليل تحديات التنمية الصادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، الذي يُقاس بالتحديات في إنجازات التنمية البشرية المعدلة وفق الجودة وفي الاستدامة البيئية والحوكمة. والواقع أن هذه الدرجة المرتفعة التي سجَّلتها الكويت، وتتجاوز المتوسط العالمي البالغ 0.425 ومتوسط البلدان المرتفعة الدخل البالغ 0.277، تدل على أن الدولة تواجه تحديات إنمائية أكثر خطورة. ولتواكب البلدان المرتفعة الدخل، لابد للكويت أن تراقب الإنفاق الاجتماعي العام والإنفاق العام الإجمالي، وتقيّم جودتهما، لضمان تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.

ضرورة تنويع الاقتصاد الوطني مع دعم القطاع الخاص

ولفت التقرير إلى أن الإنفاق الاجتماعي العام في الكويت ناهز نحو 9.84 مليارات دينار عام 2022/2023، مع أخذ الأبعاد السبعة لمرصد الإنفاق الاجتماعي في الاعتبار. ويمثل هذا الإنفاق 44 في المئة من إجمالي الميزانية العامة عام 2022/2023، وهو ما يعادل النسبة المسجلة عام 2018/2019. أما الإنفاق الاجتماعي الحقيقي للفرد، فانخفض بنحو 12 في المئة مقارنة بعام 2018/2019.

وتابع: «يُخصص جزء كبير من الميزانية لبرامج الدعم، لاسيما في مجال الطاقة، إلا أن الفئات ذات الدخل المرتفع تستفيد بشكل غير متناسب من هذا الدعم الشامل، ما يجعل هذه التدابير غير عادلة، وأُجريت إصلاحات لترشيد دعم الوقود، إلا أن بعض الثغرات لاتزال قائمة».

التعليم... 12% من ميزانية الدولة!

بينما أشار التقرير إلى تخصيص الكويت 12 في المئة من ميزانيتها للتعليم، متجاوزة المتوسط العالمي، أكد أن التعليم لايزال متأخراً عن المعايير الدولية، رغم الإنفاق الكبير الذي تم تخصيصه على مدار السنوات.

وقال: «تظهر النتائج الأخيرة للاتجاهات الدولية في دراسة الرياضيات والعلوم أن الطلاب الكويتيين حصلوا على درجة 383، أي أقل من المتوسط العالمي البالغ 449 بكثير، وهو ما يؤكد ضرورة تحسين جودة التعليم. والواقع أن الإنفاق في قطاع التعليم يغطي بشكل أساسي التكاليف التشغيلية، مثل الرواتب والمرافق، مع تخصيص حدٍّ أدنى للاستثمار في البحث وتجديد المناهج والأدوات الرقمية، فلابد من سد هذه الفجوات، لبناء يد عاملة ماهرة قادرة على دعم جهود التنويع الاقتصادي».

سخاء في البدلات وقصور بآلية الاستهداف

ذكر تقرير «الإسكوا» أن الكويت سخية في توفير التحويلات العامة الشاملة للمواطنين، بما في ذلك بدلات الزواج والسكن والعلاج الطبي في الخارج، إلا أن دراسات استقصائية للأسر المعيشية تكشف عن أوجه قصور بارزة في هذه التحويلات، بسبب آليات الاستهداف، التي تهدر الأموال العامة.

واعتبر أن 22 في المئة تقريباً من التحويلات الحكومية تذهب إلى أغنى 20 في المئة من الأسر المعيشية، بمتوسط دخل للأسرة المعيشية يزيد على 6.000 دينار، مشدداً على أن من شأن ترشيد هذه التحويلات وإعطاء الأولويات للأسر المعيشية ذات الدخل المتوسط والمنخفض أن يوفِّرا الكثير من الموارد، وأن يحسِّنا الإنصاف والكفاءة المالية.

تحسين كفاءة الإنفاق يحقق 27% وفراً من الإنفاق العام

الإصلاحات ضرورة لا اختيار

قال مُعدّ التقرير، نيرنجان سارانجي إن «الكويت بحاجة إلى التحرك الفوري لتنفيذ إصلاحات مالية مستهدفة، وذلك ليس خياراً، بل ضرورة لحماية الاقتصاد وضمان رفاهية المواطنين».

«الإسكوا» في سطور

«الإسكوا»، هي إحدى اللجان الإقليمية الخمس التابعة للأمم المتحدة، تعمل على دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة في الدول العربية، وعلى تعزيز التكامل الإقليمي.

ربع سكان الكويت مصابون بـ «السكري»

ذكر التقرير أن الإنفاق على القطاع الصحي في الكويت يتماشى مع المعايير الدولية، وهو يستقر عند نسبة تتراوح بين 11 و12 في المئة من الميزانية، ويغطي في المقام الأول الخدمات المقدَّمة للمرضى داخل المنشآت الصحية. لكن مع ذلك، تسجل الكويت معدلات عالية من الأمراض غير المُعدية، مثل السكري، الذي يصيب ربع السكان، والنظام الغذائي غير الصحي، ونمط الحياة الخامل والتلوث عوامل تفاقم الطابع غير الصحي للحياة.

واعتبر أن أحد أسباب أوجه القصور يتمثل في التركيز يكون على الرعاية العلاجية بدلاً من التدابير الوقائية.

واعتبر أن أحد أسباب أوجه القصور يتمثل في التركيز يكون على الرعاية العلاجية بدلاً من التدابير الوقائية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق