يشهد المغرب، مع حلول شهر رمضان كل سنة، نشاطًا مكثفًا في جمع التبرعات وتوزيع المساعدات لصالح الفئات المحتاجة، وهو تقليد اجتماعي راسخ يعكس قيم التكافل والتضامن داخل المجتمع. غير أن هذه العمليات قد تجرّ معها ممارسات غير قانونية أو عشوائية، ما يستوجب تطبيق مقتضيات القانون رقم 18.18 القاضي بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية.
ومع دخول شهر رمضان، تبرز الحاجة إلى التذكير بأهمية احترام الضوابط القانونية لضمان وصول التبرعات إلى مستحقيها الحقيقيين، بعيدًا عن العشوائية والممارسات غير القانونية التي قد تسيء إلى العمل الخيري برمته.
القانون رقم 18.18 دخل حيز التنفيذ رسميًا بعد نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 9 يناير 2023، واضعًا مجموعة من الشروط والقواعد التي تؤطر عمليات جمع التبرعات من العموم لضمان الشفافية والنزاهة ومنع أي استغلال غير مشروع لهذه الأنشطة.
ووفقًا لمقتضيات هذا القانون، لا يجوز دعوة العموم إلى التبرع إلا من قبل جمعيات مؤسسة بصفة قانونية ومسيرة وفقًا لأنظمتها الأساسية. كما يُسمح بصفة استثنائية لمجموعة من الأشخاص الذاتيين بجمع التبرعات في حالات الاستغاثة الناتجة عن كوارث أو حوادث طارئة، لكن شريطة الحصول على ترخيص مسبق من السلطات المختصة.
كما يفرض القانون قيودًا على استخدام أموال التبرعات، حيث يُلزم الجهات المنظمة بإيداع الأموال المتحصلة من التبرعات في حساب بنكي مخصص، وعدم صرفها في غير الأغراض المعلنة عنها، مع ضرورة موافاة الإدارة بتقارير مفصلة حول حصيلة التبرعات وأوجه صرفها.
ولم يتوقف القانون عند تنظيم عملية جمع التبرعات فقط، بل شمل أيضًا توزيع المساعدات لضمان وصولها إلى مستحقيها بطرق قانونية ومنظمة. فكل عملية توزيع للمساعدات العينية لأغراض خيرية تتطلب تصريحًا مسبقًا لدى عامل العمالة أو الإقليم الذي سيتم التوزيع في نطاقه، وذلك قبل عشرة أيام من موعد العملية، باستثناء الحالات العاجلة التي يُسمح فيها بتقديم التصريح قبل 24 ساعة.
وبالإضافة إلى التصريح المسبق، يُلزم القانون كل جهة دعت العموم إلى التبرع بإعداد تقرير مفصل حول سير العملية، على أن يُرفق بجميع الوثائق والمعلومات التي تثبت تخصيص الأموال للأغراض المعلن عنها. وفي حال تجاوزت حصيلة التبرعات مليون درهم، يجب تقديم تقرير مالي مصادق عليه من قبل خبير محاسب معتمد.
ولضمان احترام مقتضيات القانون، فرض المشرّع المغربي عقوبات مالية صارمة على المخالفين، تتراوح بين 5000 و500 ألف درهم، تشمل المؤسسات الإعلامية التي تنشر إعلانات لجمع التبرعات دون إذن، وكذلك الأفراد أو الجمعيات التي تقوم بجمع أو توزيع المساعدات دون الحصول على التصاريح اللازمة.
كما تشمل العقوبات عدم إيداع التبرعات في الحساب البنكي المخصص لها، أو عدم تحويل الأموال المتبقية بعد تحقيق الغرض المحدد، أو رفض تقديم التقارير المطلوبة للجهات المختصة، مما يضمن رقابة صارمة على كافة مراحل جمع وصرف التبرعات.
ويُعد القانون 18.18 خطوة مهمة نحو مأسسة العمل الخيري وتعزيزه ضمن إطار قانوني يحمي التبرعات من الاستغلال أو التلاعب، ويمنع استغلالها في أهداف شخصية أو انتخابية أو تجارية. كما أنه يسهم في ترسيخ ثقافة الشفافية والمحاسبة في مجال الإحسان العمومي، مما يعزز ثقة المواطنين في هذه المبادرات.
0 تعليق