د. لويس حبيقة*
من أهم القرارات التي تتخذ في الدول هي سياسة سعر صرف النقد الوطني تجاه العملات الصعبة وخاصة الدولار.
قوة أي نقد تنبع من قوة الاقتصاد، وبالتالي تحريكه بشكل اصطناعي لا يفيد، بل يمكن أن يخلق مشكلات واسعة في العلاقات الدولية. هنالك علاقة قوية بين سعر صرف النقد من جهة وكل جوانب الاقتصاد من جهة أخرى، أي النمو والبطالة والتضخم، كما ميزان المدفوعات. يقول صندوق النقد إن هنالك 8 أنظمة لسعر صرف النقد يمكن اختيار واحد منها أي بين الجامد كليا والحر كليا.
معظم الدول يختار نظام سعر صرف يقع ضمن المجموعة وليس في أطرافها. أي نظام نختار؟ يقول «أوغستان كارستنز» حاكم المصرف المركزي المكسيكي السابق إن الاختيار يعتمد على عاملين. أولهما مدى دينامكية السياسات الاقتصادية العامة وماذا تغطي في الاقتصاد.
ثانياً، ما تأثير القرار في علاقات الدولة الاقتصادية العالمية؟. سعر الصرف يحدد إلى حد بعيد قيمة العلاقات التجارية بين دول والعالم. لا شيء يمنع من تغيير سياسة سعر الصرف، فهي ليست أبدية إذ تعتمد السياسة التي تفيد الاقتصاد. فالمكسيك مثلاً انتقلت في تسعينات القرن الماضي من سعر الصرف الثابت إلى الحر. ما يجب التنبه له في علاقات دول تعتمد جميعها سعر الصرف الحر هو عدم وقوعها في حروب نقدية أي أن تقوم دولة ما بتخفيض سعر الصرف لتشجيع صادراتها. فتقوم الدول الأخرى بنفس الخطوة وتحصل عندها حرب سعر صرف إلى الأسفل تتعب الجميع.
فائدة سعر الصرف الحر الأساسية هي استيعابه لكل ما يحدث في الاقتصاد عبر تحركه. يتغير الطلب على النقد كما العرض، وبالتالي يتحرك سعر الصرف. أما في نظام سعر الصرف الثابت، فتنعكس التغيرات الداخلية والخارجية على أمور أخرى مهمة كالبطالة والتضخم وغيرها، وبالتالي يمكن أن تكون التأثيرات مكلفة أكثر. في اعتقادنا، سعر الصرف الحر ضمن ضوابط أي كما يجري بين الدولار واليورو هو أقل تكلفة على الاقتصاد ومفيد أكثر للنمو وله فاعلية أعلى. لماذا إذاً تختار بعض الدول سعر الصرف الثابت؟ ربما خوفاً من تغيراته التي تنعكس على العلاقات الدولية أو ربما لأنها تملك القدرة المادية للدفاع عنه ومواجهة الخضات. هذا هو حال العديد من الدول العربية كما النامية والناشئة.
في أزمة 2008-2009 العالمية، استطاعت الدول التي اعتمدت سعر الصرف الحر حماية نفسها بشكل أفضل كبريطانيا. آيسلندا نجحت في استيعاب الأزمة بينما لم تستطع إيرلندا ذلك. الفارق هو أن آيسلندا كانت تعتمد سياسة سعر الصرف الحر على عكس إيرلندا. نفس الشيء حصل للدول التي دخلت في وحدات نقدية كاليورو، فكان تأثير الأزمة أكبر بكثير في اليونان وإسبانيا والبرتغال التي لم تمتلك درجة مناعة مرتفعة مقارنة بألمانيا وفرنسا ضمن نفس الوحدة. اختيار سعر الصرف المناسب يقع ضمن صلاحيات المصرف المركزي، لذا تعتبر سياسة سعر الصرف من الأمور السيادية الأساسية.
* كاتب لبناني
0 تعليق