زاكاري كارابيل*
مع الإعلان عن رسوم جمركية قاسية، تواجه الولايات المتحدة والعالم آفاقاً اقتصادية عصيبة ومضطربة. وبالنسبة لواشنطن تحديداً، فإن هذه السياسات، المقترنة بالنهج الذي تسلكه إدارة ترامب، تُسبب ضرراً بالغاً يتمثل في ارتفاع الأسعار وفقدان الوظائف، ما سيؤدي على الأرجح إلى ركود اقتصادي، أو على الأقل، اضطراب كبير لعشرات الملايين من الناس الذين لا يستطيعون تحمله.
سبق أن كتبتُ عن التفكير السحري وراء رسوم ترامب الجمركية. وتتمثل فرضية البيت الأبيض، التي أُعيد طرحها في أعقاب إعلان يوم التحرير في 2 إبريل، في أن هذه الرسوم ستقود إلى تحول جذري وسريع في قطاع التصنيع العالمي، ما سيؤدي إلى إعادة توطين الإنتاج في الولايات المتحدة. ومع هذا، لم يكن هناك أي إعداد استراتيجي، ولا تخطيط لكيفية تحقيق ذلك، ولا خطة للإنفاق الحكومي والحوافز، والأهم من ذلك، لا يوجد دعم سياسي من الرأي العام الأمريكي الذي صوّت لصالح خفض التضخم، وتحسين الوظائف، وأمن الحدود في نوفمبر الماضي. وحظيت الإدارة الجديدة ببيئة اقتصادية مواتية إلى حد ما، انتعاش سوق الأسهم، وتفاؤل قطاع الأعمال بشأن تنظيم أكثر مرونة وعقلانية، وحماسة شعبية لانخفاض الأسعار. ومع ذلك، في غضون 80 يوماً فقط، تبدو هذه الإدارة على وشك نسف كل ذلك. فمن الصعب تغيير مسار الاقتصاد في لحظة، لقد حدث هذا في مارس 2020 بسبب كوفيد، ويحدث الآن بسبب ترامب. فما هو إذن الجانب الإيجابي في هذا السيناريو؟ في ظل أسواق أسهم متدهورة، وتسريحات للعمال أُعلن عنها مؤخراً في استطلاع تشالنجر بمستويات لم نشهدها منذ الإغلاق الاقتصادي بسبب كوفيد، ومشاعر عامة سلبية تجاه الاقتصاد الأشمل، مع احتمالات ارتفاع التضخم وانخفاض النمو!
يُجادل ترامب، ووزير التجارة هوارد لوتنيك، بأن النتيجة النهائية لهذه السياسات ستكون تحولاً جذرياً في الاقتصاد، يُفضي إلى عصر ذهبي من الازدهار. والنتيجة الأكثر ترجيحاً الآن هي أنها ستؤدي إلى عام من الآمال المُخيبة لناخبين على يد سياسيين وعَدوا بالخير الكثير لبلدهم ولم يفوا بوعودهم.
حتى الشهر الماضي، لم أكن أعتقد أن بإمكان أي إدارة بمفردها تشكيل الاقتصاد المحلي بهذه السرعة والتأثير السلبي. ومع ذلك، ها نحن ذا. وهناك أمور قليلة مؤكدة، أهمها أن هذه الرسوم الجمركية لن تُحدث أي تغيير في العام المقبل سوى ارتفاع الأسعار، وانخفاض الطلب، واضطرابات عالمية. وقد يُسبب ذلك تضخماً، أو يقود إلى انهيار الطلب. وفي كلتا الحالتين، لن تُفيد الرسوم على المدى القصير الاقتصاد الأمريكي المحلي، ولن تُحفز استثمارات جديدة بمليارات الدولارات.
قد يؤدي ذلك إلى تآكل سريع في الدعم السياسي لإدارة ترامب، ما سيُعقد بدوره الخطط الطموحة للحزب الجمهوري في واشنطن لخفض الإنفاق والحفاظ على انحسار الضرائب. وبالنسبة لأولئك الذين دأبوا على الترويج لتآكل الديمقراطية، فإن المشكلة الحقيقية مع إدارة ترامب هي التجاوز المتغطرس وغير الكفؤ - ليس لأسئلة وجودية عن الحرية والديمقراطية، بل لتلك المتعلقة بالأسعار، والوظائف، والقدرة على تحمل التكاليف، والأمن الاقتصادي.
إن الأغلبية الساحقة من الناس لا تصوت للأفكار أو المُثل العليا، وإجبارهم على ذلك يأتي بنتائج عكسية فادحة. هي تصوت في المقابل للرخاء والاستقرار والنظام القائم على القواعد، سواء كان ذلك يعني حدوداً آمنة أو أسعاراً مستقرة.
لا يوجد سيناريو يُمكن فيه للجمهوريين الاستفادة سياسياً من السياسات الاقتصادية لل 80 يوماً الماضية، كما أنه لا سبيل على المدى القريب إلى استفادة معظم الأمريكيين منها. حتى لو أيدتَ الرؤية بعيدة المدى، فهذه ليست الطريقة الأمثل للوصول إليها - تماماً كما لا يُمكن لإيلون ماسك تحقيق حلمه بالوصول إلى المريخ ببناء مقلاع ضخم للغاية.
الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن حملةً حثيثةً لتخفيف القيود التنظيمية، وخفض الضرائب، وتشديد الحدود، وتقليص التنوع والإنصاف والشمول كانت ستحظى بدعم محلي هائل، وستُعزز انتعاشاً قوياً في إنفاق الشركات، وثقة المستهلكين، وتفاؤل الجمهور. لقد جهزت إدارة ترامب كل شيء، ثم اختفت فجأةً. لقد تمكنت من تبديد زخمها، حتى مع خوض الحزب الديمقراطي حرباً خاطئة، وبالطريقة الخاطئة.
من المؤكد أن الولايات المتحدة تتمتع باقتصاد محلي قوي، معظمه معزول عن العالم. فالبلاد أقل اعتماداً على التجارة من الكثير من الدول، سواءً في ما تستورده أو في كمية ما تُصدره. لقد حل الربيع، وبافتراض بقاء هذه التعريفات، سيستكشف عشرات الملايين منا قريباً أسواقاً أقل، وأسعاراً أعلى، وسلعاً أكثر ندرة، وسنعيش حياة أكثر تكلفة. سياسياً، كان التغيير حاداً ومفاجئاً، وسننظر إلى هذه اللحظة كحالةٍ مذهلة من أزمةٍ ذاتية.
لقد حفرت إدارة ترامب والجمهوريون لأنفسهم حفرةً هائلةً، أمام حزب ديمقراطي عاجزٍ عن فهم الحاصل وعن التصرف بتماسك. ومن المعادلات الصعبة في عالم المال والأعمال أن ينهار اقتصادٌ في 80 يوماً، ولكن يبدو أن الإدارة الحالية استطاعت حل هذه المعادلة بنجاح.
* كاتب وأكاديمي، ومدير تنفيذي سابق في الخدمات المالية «ذي إدجي أوبتمست»
0 تعليق