مع بداية العهدة الثانية للرئيس قيس اسعيد دخلت تونس جيلا جديدا من الأزمات السياسية والاقتصادية المركبة لكن لا أحد كان يتصور أن الكارثة سوف تصل إلى “الذهب الأخضر” للبلاد.
فقد تسبب تدني تسعير الزيتون في تونس في أزمة، حيث أقدم المزارعون على إيقاف عمليات جني المحصول، بينما يحظى القطاع بأهمية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وهو ما يضع الحكومة في حيص بيص أمام أزمة اقتصادية غير مسبوقة.
فقد أعلن مزارعون من محافظات الوسط التونسي تعليق موسم قطاف الزيتون، الذي بدأ مرتبكاً رغم بوادر المحصول الجيد هذا العام والذي يقدر أن يصل إلى 340 ألف طن وفق تقديرات أولية، حيث تزامنت بداية موسم الجني مع شن حملة على شبكات التواصل الاجتماعي استهدفت المزارعين وأصحاب المعاصر، وجرى اتهامهم بالدفع نحو رفع الأسعار وتوجيه القسط الأكبر من الإنتاج نحو التصدير.
بينما يشكو منتجو الزيتون من “حملة شيطنة” على حد وصفهم يتعرضون لها على وسائل التواصل الاجتماعي واتهامهم بالجشع وتعمد حرمان المواطنين من خيرات بلدهم من زيت الزيتون بسبب شطط الأسعار رغم وفرة المحاصيل.
وفي بداية نوفمبر الماضي أعلنت وزارة الزراعة أن أسعار بيع زيت الزيتون المتداولة لموسم 2025 ستتراوح بين 18 و22 ديناراً للتر الواحد (الدولار يعادل 3.16 دنانير)، ليعلن بعد ذلك الديوان الوطني للزيت عن انخفاض في أسعار الزيت من 18 ديناراً إلى 14 ديناراً للتر الواحد، مفسراً ذلك بتراجع الأسعار على مستوى العالم. ويعتبر مزارعو الزيتون أن تعليق أنشطة جني المحاصيل وترك الثمار على رؤوس الأشجار سيكون أقل خسارة بالنسبة إليهم من تحمل كلفة الجمع والتحويل.
وبرر عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري أنور الحراثي، قرار وقف عملية جني الزيتون بأغلب المحافظات بعدم قدرة المنتجين على تحمل تبعات انهيار أسعار بيع الزيتون وعزوف أصحاب المعاصر عن شراء الكميات المجمعة. وقال الحراثي إن سعر الكيلوغرام الواحد من الزيتون انطلق في بداية الموسم ب2.5 دينار ليهبط حالياً إلى دينار واحد في محافظة سيدي بوزيد التي تتصدر المرتبة الأولى في إنتاج الزيتون في الدولة.
ورغم أن وزارة الفلاحة تصف موسم 2024-2025 بـ “الجيد والواعد”، بعد توقعات ببلوغ إنتاج زيت الزيتون حوالي 340 ألف طن، بزيادة مقدارها 55% مقارنة بالموسم الماضي، يعتبر المنتجون أن جودة هذا الموسوم تقاس باستقرار الأسعار والقدرة على تحقيق أرباح مجزية بعد تحمل الفلاحين لكلفة عالية لعمليات الري من أجل محافظة على أصول الزيتون الذي تضررت من الجفاف.
يذكر أن زراعة الزيتون تلعب دوراً أساسيا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، حيث يمثل الزيتون 15% من إجمالي الإنتاج الفلاحي في حين يمثل زيت الزيتون 50% من الصادرات الفلاحية و5.5% من الصادرات.
كما يمثل القطاع مصدر رزق مباشر أو غير مباشر لأكثر من مليون شخص إضافة إلى كونه يوفر 34 مليون يوم عمل في السنة الواحدة، وهو ما يعادل 20% من التشغيل في القطاع الفلاحي.
كما جنت تونس خلال الموسم الماضي عائدات قياسية من صادرات زيت الزيتون بقيمة تزيد عن 5.1 مليارات دينار (نحو 1.6 مليار دولار).
ويصف خبراء زراعة، الزيتون التونسي بـ”الذهب الأخضر” لخلوّه من الملوثات العضوية، ذلك أن حوالي 85% من زيت الزيتون يتم إنتاجه بطرق تقليدية ودون استخدام أسمدة كيميائية أو مبيدات حشرية. وتحتل تونس المرتبة الرابعة عالمياً من حيث عدد أشجار الزيتون والمرتبة الثانية فيما يخص المساحات.
0 تعليق