تحقيق: سومية سعد
في السنوات الأخيرة، أصبح ترويج المخدِّرات عن بُعد يربك الشباب ويغيّر عالمهم، عبر مواقع التواصل، حيث ينشئ مروّجون حسابات خاصة لعرض بضاعتهم، ويتواصلون مع العملاء المحتملين، عبر الرسائل أو التطبيقات المشفرة لإخفاء نشاطهم عن أعين القانون، لكن الأجهزة الشرطية والجهات الأمنية ترصد كل ذلك بحزم وعزم.
«سلام عليكم صديق، سامان موجود، حشيش موجود كريستال، لاريكا ترامادول كولو سامان موجود»
هي رسائل عشوائية وبلغة ركيكة استخدمها مروجو المخدِّرات في التواصل مع المتعاطين من أرقام أجنبية مجهولة عبر «واتس أب» أو «فيسبوك» و«X»(تويتر سابقاً) و«إنستغرام» من مواقع مجهولة، تخفي نشاطاً مشبوهاً أقرب إلى خدمة توصيل للمخدِّرات عن بُعد، حيث تحوي صوراً ومقاطع فيديو ورسائل لترويجها، ويزعمون قدرتهم على توصيلها إلى أي مكان، وهو ما تشدد على عدم مصداقيته كل إدارات مكافحة المخدرات بالإمارات، فلديها من الوسائل ما يجعل الأمر تحت السيطرة.
وبعد الاتفاق يرسلون هذه الرسائل، وبمجرد الموافقة على العرض، يتفق على مكان محدد تدفن فيه المخدِّرات، ليتسلّمها المتعاطي بعد تحويل النقود إلى المروّج.
في محاولة للوصول إلى حلول للتقليل من هذه الحوادث، التقت «الخليج» بعض المعنيين وأفراد المجتمع، لبحث كيفية التعامل مع هذه القضية.
الحالة الأولي
في أحد مراكز الشرطة، جاء أحد الآباء يدعى «أبو سيف» بعينين يملأهما الحزن، وقال إنه اكتشف بالمصادفة ورود هذه الرسائل «سلام عليكم صديق، سامان موجود، حشيش موجود، كريستال لاريكا ترامادول، كله سامان موجود»، إلى هاتف ابنه المراهق، وعبر تطبيق «واتس أب». وما زاد قلقه أن الطفل لم يخبره بفحوى الرسائل حين تلقاها، ما زاد من قلقه، فجاء سريعاً إلى مركز الشرطة ليبلغ عنها، حتى يحمي ابنه ويساعد في القبض على هؤلاء المروّجين.
الحالة الثانية
أما أم خالد، فجاءت لتبلغ في أحد المراكز عن بدء تعاطي ابنها الذي يبلغ 15 عاماً، وهو طالب في إحدى المدارس الثانوية، وأنها بدأت تلاحظ عليه تغيّر حالته، وتأخره عن المنزل. وبعد أن فحصت هاتفه، وجدت رسائل بينه وبين شخص من خارج الدولة، للاتفاق على إرسال مواد مخدِّرة.
الحالة الثالثة
أما أبو خليفة، ففوجئ بعد مرور عام على التحاق ابنه بالعمل، بتغيّر أحواله، وتغيّبه عن العمل، حيث لاحظ في الوقت ذاته، وجود تغيّر في تصرفاته، لكنه لم يترك الأمر يمرّ، من دون أن يتقصى عن السبب، فتواصل مع أصدقاء خليفة وزملائه في العمل، وبعد بحثه وتواصله، لمعرفة سبب تغير سلوكه، اكتشف أن ابنه كان يرافق أحد الأشخاص المعروفين بسوء السلوك، وكان مداناً في قضايا التعاطي، وهو وسيط مع أشخاص خارج الدولة، يروّجون المخدِّرات عن بُعد.
الحالة الرابعة
تؤكد أم سالم، أنها وجدت ابنها الطالب بالمرحلة الثانوية يطلب منها أموالاً، وأصبح عصبي المزاج، وظلت تتحدث معه، وتحاول أن تقنعه بأن يبوح لها عن الأسباب التي دعته إلى تغير تصرفاته، وبعد إلحاح، وتفتيش في هاتفه، عرفت أنه يشتري مخدِّرات عن طريق مواقع التواصل، هو وصديق له في المدرسة. وكانت صدمة لها عندما عرفت أن صديقه توفي بجرعة زائدة، ما ضاعف مخاوفها وشكوكها، ودفعها للذهاب إلى الشرطة للإبلاغ عن مروّجي مخدِّرات عبر هاتف ابنها.
وعندما التقت «الخليج» مجموعة من الطلاب في المرحلة الثانوية في دبي، أكدوا أن من بين الأساليب والحيل التي يستخدمها مروّجو المخدِّرات عبر مواقع التواصل، إنشاء حسابات بأسماء وصور نسائية جذابة، بهدف إيقاع الشباب في فخ المخدِّرات، أو نشر مسميات لها، ترمز إلى القوة والنشاط، أو إقناع الشباب بتأثير أنواع معينة منها، في القدرة على الحفظ والفهم في أوقات المذاكرة، أو في زيادة القدرة على السهر لأوقات طويلة، أو قيادة المركبات لمسافات بعيدة، من دون تعب أو الحاجة إلى النوم، أو استغلال حاجة بعض المراهقين لتقوية عضلاتهم، من دون جهد. كما يستغل المروّجون صيدليات الإنترنت غير المشروعة التي تبيع المواد المخدِّرة والمؤثرات العقلية.
الوقاية
وطالبت فاطمة حسن المنصوري، الموظفة في المحاكم، بضرورة الوقاية من براثن هذه السموم، وخاصة الأسرة، والمدرسة لخطورة المخدِّرات والمؤثرات العقلية، وضرورة تضافر الجهود لمكافحة هذه الآفة الخطرة، وحماية المجتمعات من آثارها المدمّرة.
نشر الوعي
ودعا محمد بن خماس، أولياء الأمور إلى نشر الوعي في قضايا تعاطي وإدمان المخدِّرات، وأن هذه المسؤولية تقع على عاتق الجهات المعنية كافة، والعمل على تنظيم حملات توعوية وتوجيه رسائل عبر وسائل الإعلام والتواصل، وغيرها لاستهداف شريحة الشباب وهي الشريحة الأكثر تعرضاً للتورط في المشكلات.
الجانب الأمني
أكد الخبير اللواء خليل إبراهيم المنصوري، مساعد القائد العام لشؤون البحث الجنائي، في شرطة دبي، ضبط مروجي المخدِّرات وملاحقتهم في كل مكان، وحرص القيادة العامة، دائماً على الانضمام إلى الجهود الدولية في مكافحة المخدِّرات وتوعية الجمهور، وخاصة الشباب، بمخاطرها وسبل الحماية من الإدمان.
وجاهزية الإدارة العامة للعمل على مدار الساعة لمكافحة الآفة، والتوعية بالآثار الاجتماعية والصحية السلبية لتعاطي المخدِّرات وعواقبها، والتعاون مع المؤسسات والشركاء لتوضيح مخاطرها واحتضان المدمنين للتعافي والتغلب على الإدمان.
ويوجد مركز «حماية» الدولي في شرطة دبي الذي يعمل على التوعية بمخاطر المخدِّرات والمؤثرات العقلية، بل يمتد إلى احتضان المدمنين وعلاجهم وتأهيلهم ودعمهم بعد التعافي، لإعادة بناء حياتهم من جديد، في ظل أحوال من السرية والخصوصية. وسجلّ المركز حافل بقصص النجاح وحالات المدمنين السابقين الذين تعافوا، رغم صعوبة التجربة ومرارتها.
أهمية الإبلاغ
وشدد اللواء عبدالله علي الغيثي، على أهمية الإبلاغ عن تلك المكالمات والرسائل، وعدم التعامل والتجاوب معها حتى لا يكون الشخص تحت طائلة المسؤولية والوقوع ضحية لهذه الأساليب الخادعة من النصب والاحتيال، وإن شرطة دبي تشارك عبر المعارض والفعاليات، مع الشركاء لتوضيح سبل الوقاية والتوعية، والبرامج العلاجية وبرامج الدعم المجتمعي، وقنوات التواصل مع شرطة دبي لتقديم المعلومات والملاحظات بسرية تامة.
مرصد المخدرات
أكد اللواء أحمد ثاني بن غليطة المهيري، مدير الإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة في شرطة دبي، أن مركز مرصد المخدِّرات، يعمل على مواكبة كل التطورات في عالم المخدّرات، وشرطة دبي تمتلك خبراء على أعلى مستوى، في التعرف إلى المخدِّرات الصناعية وغيرها من المواد، حيث يمكنهم باستخدام أحدث الأجهزة اكتشاف أي تلاعب في التركيبات الكيميائية للمخدرات في دقائق معدودة، وإحباط محاولات تجار المخدِّرات وتطبيق القانون عليهم وتمكن المركز، بفضل بحوث مخبرية وتحليلات دقيقة أجراها خبراء المرصد، من تحديد 16 نوعاً جديداً من المخدِّرات المصنّعة.
وتم تسهيل هذه الاكتشافات بالاختبارات والتحقيقات الدقيقة على المواد التي تحتوي سموماً ضارة بصحة الإنسان والسلامة العقلية.
النصب والاحتيال
وحذر اللواء عيد محمد ثاني حارب، مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدِّرات، مستخدمي الهواتف النقالة من الانصياع أو تصديق المكالمات الهاتفية التي ترد إليهم من أرقام غريبة غير موثقة لديهم أو الرسائل النصية أو «الواتساب» من مختلف الأماكن ويكون مبتغاها النصب والاحتيال، و«هذا الأسلوب كان يمثل هاجساً كبيراً بالفعل حين بدأ بالانتشار، وتسبب في جرّ متعاطين جدد إلى هذه السموم، لأنه اعتمد على فكرة التواصل عن بُعد، من دون لقاء مباشر بين البائع والمشتري، بسبب اعتماده كلياً على التقنيات الحديثة، ومنها ترويج المخدِّرات عبر رسائل عشوائية ترد عبر تطبيق «واتس أب»، وبمجرد الاتفاق يودع المتعاطي الأموال في حساب مشبوه يخص المروّج، فيما يرسل إليه الأخير خريطة بموقع أخفى فيه المخدِّرات. وأضاف أن «الموضوع شكل تحدياً كبيراً في البداية، لكن عكفت فرق العمل بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات على دراسة هذا الأسلوب، وحددت آلية عمل هذه العصابات، بداية من إنشاء الحسابات البنكية التي يتلقون عليها الأموال، وكيفية إرسال الرسائل المجهولة، وطرق إخفاء المخدِّرات، ثم شكلت فرقاً معنية بالتعقب والرصد، والتقنية، والعمل الميداني.
المكافحة دولياً
أكد العميد خالد بن مويزة، نائب مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدِّرات، أهمية التعاون الدولي في مكافحة الاتّجار بالمواد المخدِّرة، وأن الإدارة نجحت في رصد وحجب 1923 حساباً لمُروّجي مخدِّرات على مواقع التواصل المختلفة خلال العام الماضي. واستطاعت محلياً الكشف عن عدد من القضايا الكبرى في المخدِّرات، أبرزها عملية «ستورم» التي أحبطت تهريب كميات ضخمة من مخدِّر «كبتاجون» تزن 13 طناً.
وأشار إلى أن شرطة دبي تمكنت بالتعاون مع شركائها الدوليين من تنفيذ عدد من العمليات النوعية بمكافحة الاتّجار بالمخدِّرات، أبرزها عملية «قصب السكر» التي أسفرت عن القبض على أحد الأعضاء البارزين في إحدى أكبر عصابات الجريمة المُنظمة التي تُنفذ عمليات التهريب بين أمريكا الجنوبية وأوروبا داخل شحنات السكر، وضبط 22 طناً من السكر الممزوج بالكوكايين، إلى جانب عملية «فيداوستاتين» التي أسفرت عن تفكيك عصابة دولية كبيرة تعمل في تجارة المخدِّرات وغسل الأموال.
حماية الأسر
طالب العميد الدكتور عبد الرحمن المعمري، مدير مركز «حماية» الدولي، الأسر بضرورة الرقابة على أبنائهم، واحتوائهم في كل المواقف الصعبة والوقوف إلى جانبهم وعلى الأبناء ضرورة التصرف بمسؤولية وعدم اللجوء إلى العقاقير الطبية أو استسهال تناولها، للهروب من الضغوط الدراسية أو الأسرية أو المهنية، داعياً إلى ضرورة نشر الوعي.
وأضاف أن المركز استطاع خلال العام الماضي تنفيذ 333 برنامجاً طلابياً توعوياً مجتمعياً بلغ عدد المستفيدين منها 13 مليوناً و202 ألف و634 من مختلف الجنسيات. بينما بلغ إجمالي المستفيدين من الجهود التوعوية المنشورة عبر منصات التواصل 13 مليوناً و96 ألفاً و344.
قانون مكافحة المخدِّرات
وتقول المحامية علياء العامري: تطبق محاكم الدولة المادة (74) التي استحدثت بالقانون رقم (30) في مكافحة المخدِّرات والمؤثرات العقلية على كل من يتورط في تحويل أموال عبر حساب بنكي بقصد شراء المخدِّرات، وتنص على أنه «يمنع كل من دين بأي من الجرائم المعاقب عليها وفق أحكام هذا المرسوم بقانون، من تحويل أو إيداع أية أموال للغير بذاته أو بواسطة الغير، إلّا بناء على إذن يصدر من مصرف الإمارات المركزي، بالتنسيق مع وزارة الداخلية، ويستمر هذا المنع لمدة سنتين بعد انتهاء تنفيذ العقوبة.
الجانب الاجتماعي
ودعت الاختصاصية الاجتماعية، ميثاء نجم، أولياء الأمور إلى تكثيف الرقابة على أبنائهم من مختلف المراحل العمرية، في ظل الانتشار الواسع للأجهزة الحديثة وتقنيات التكنولوجيا والوسائل المتطورة في عمليات التواصل، التي أصبحت في متناول الجميع، ومراقبة ما تستقبل أجهزتهم الذكية وحسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، كما يجب زيادة برامج التوعية والتثقيف خاصة بالنسبة لفئة الشباب وطلاب المؤسسات التعليمية ممن تصلهم المواد المخدِّرة إلى منازلهم وقد ينجرّون وراءها إذا غاب جانب التوعية المتعلق ببيان مخاطرها، الأمر الذي يستدعي الرقابة المستمرة من أولياء الأمور.
الجانب الاجتماعي
وأضافت الاختصاصية الاجتماعية وفاء عادل، أن مواقع التواصل، أصبحت عالماً أساسياً للأغلبية ومع الأسف، استغل ضعاف النفوس تلك المواقع سلبياً بالترويج وتسهيل الحصول على المخدِّرات وتزيينها وتصويرها بصورة جيدة. وحتى نحدّ من ذلك الترويج والانتشار نرجو مراقبتها بشكل مكثف للقضاء عليها.
ودعت أولياء الأمور دائماً إلى ضرورة الحوار والاعتدال والحكمة في عملية الرقابة على أبنائهم أن اللين المفرط سبب ضياع الأبناء والقسوة الزائدة تؤدي إلى النتيجة ذاتها.
وشددت على دور الأسرة في بناء المجتمع والحفاظ على سلوك أفراده، للحيلولة دون وقوع الشباب والمراهقين في براثن الإدمان على المخدرات وتنظيم محاضرات تثقيفية في المنازل والمؤسسات التعليمية والمراكز التجارية للتوعية بأضرار وأنواع المخدرات وأسباب التعاطي وآثار التفكك الأسري مفهوم الإدمان.
0 تعليق