دبي: مها عادل
جسدت المسرحية الغنائية العالمية «الغناء تحت المطر»، أحد أهم وأشهر أفلام هوليوود «هوليوود» في الخمسينات، والذي يحمل الاسم نفسه، رحلة تشويقية حلقت بالمشاهدين عبر الزمن ليشاهدوا هذه القصة الإيقونية التي ترصد حقبة زمنية مهمة في تاريخ صناعة السينما وتحدي الانتقال من مرحلة الأفلام الصامتة إلى الناطقة.
أفضل ما فعله صناع المسرحية الغنائية التي تستضيفها دبي أوبرا، أنهم لم يحاولوا منافسة الفيلم الاستعراضي الشهير أو تقديم رؤية مختلفة عما قدمه النجم العالمي جين كيلي في التحفة الهوليودية عام 1952؛ بل قدموا مسرحيتهم انطلاقاً من حقيقة أن «الغناء تحت المطر» ليس مجرد فيلم كلاسيكي شهير، لكنه أيقونه للسينما الأمريكية يعتبره الكثيرون أفضل فيلم استعراضي أنتجته هوليود، ولا تخلو منه أي قائمة لأفضل أفلام القرن العشرين.
هوليوود
كان العمل الأصلي حاضراً بقوة على المسرح، واحتفظ مخرج المسرحية بروح الفيلم بمعالجة لا تخلو من الذكاء والحنكة، فالأغلبية العظمى من جمل الحوار المسرحي مأخوذة من حوار الفيلم، ما حافظ على أصالة العمل الذي يقدمونه، وحتى بناء السيناريو الأصلي تمت المحافظة عليه على خشبة المسرح على الرغم مما في ذلك من صعوبة، خصوصاً أن السيناريو يستخدم تقنية (الفلاش باك) السينمائية في بداية الفيلم، ما كان تحدياً على خشبة المسرح أن يتم استخدام التقنية نفسها باستخدام المؤثرات المسرحية.
وفي بعض الأحيان، وعندما كان يتم تغيير ديكور بعض المشاهد مثل اللقاء الأول بين دون وكاثي، والذي تم في الفيلم في سيارة متحركة، بينما تغير مكان اللقاء في المسرحية ليصبح في متنزه عام بشكل مبرر درامياً.
ومن المعروف أن صناع الدراما عادة ما يواجهون صعوبة كبيرة في نقل عمل سينمائي ناجح إلى المسرح، لما يتطلبه الأمر من قدر كبير من المرونة والإبداع والابتكار، وهو ما برع في تقديمه صناع العمل المسرحي.
وكان التحدي الحقيقي في تنفيذ استعراضات الفيلم، مع مراعاة أن صعوبة تنفيذ الحركات الراقصة في الفيلم تتضاعف عشرات المرات عند تنفيذها على المسرح، لأن الرقص في الفيلم يكون على مراحل، وعبر لقطات متعددة ومتفرقة يمكن أن يعيد المخرج التصوير مراراً وتكراراً، حتى يصل لأفضل لقطة.
ويؤدي المونتاج دوراً في تحويل هذه اللقطات المنفصلة إلى مشاهد متصلة تنبض بالحياة، أما على خشبة المسرح فلا مجال للخطأ ولا مجال للإعادة، ومهما كانت الحركات الراقصة صعبة أو تحتاج إلى اللياقة وإلى تناغم كبير بين المجموعات، فيجب أن تنفذ بالشكل الصحيح من المرة الأولى، وإلا تحول العرض الاستعراضي إلى فوضى من الأخطاء.
==========
خبرة وتدريبات
============
نجح صناع المسرحية في هذا التحدي الفني بامتياز، بفضل الخبرة والتدريبات المستمرة، والعمل المضني الذي يبذل في تغيير المناظر والملابس وتنفيذ المؤثرات المسرحية والموسيقى الحية.
ولكن أهم ما نجح صناع المسرحية في تقديمه هو هذه الحالة العميقة من البهجة الخالصة والتناغم بين شخصيات العمل الفني، بفضل الأداء التمثيلي المتقن للفنانين، ففي الفيلم الكلاسيكي كان الأبطال الثلاثة جين كيلي ودونالدر أوكنور وديبي رينولدز تجمعهم كيمياء خاصة من التناغم والتناسق الذي قل أن يوجد له مثيل في تاريخ السينما العالمية، لذلك كان إيجاد هذه الحالة من التناغم بين ثلاثي الأبطال في المسرحية مهمة صعبة نجح المخرج في القيام بها.
للفنانين
تميزت المسرحية أيضاً بعزف موسيقي حي من فريق أوركسترالي كامل، وغناء مباشر وغير مسجل من الممثلين، ما أسهم في توحيد مشاعر الحضور مع الألحان والكلمات والاستعراضات المفعمة بالحيوية والبهجة.
وكانت كانت المحصلة النهائية لهذا الجهد الكبير تجاوباً مستمراً بين ما يجري على خشبة المسرح وبين الجمهور الحاضر في دبي أوبرا، حيث كانت التابلوهات الغنائية الراقصة تتوالى على خشبة المسرح، بينما الجمهور يصفق لها، ويترنم بإيقاعاتها مثل تابلوهات «موزيس» و«جودمورننج» و«سينجنج إن ذا راين»، التي تم تنفيذها مرتين في المسرحية إحداهما في موقعها الأصلي ضمن الأحداث الدرامية للمسرحية قام بها بطل المسرحية منفرداً، والمرة الأخرى في الختام، حيث اشترك فيها جميع الراقصين من أعضاء الفرقة المسرحية وارتدوا زي جين كيلي في الفيلم، ونفذوا حركاته الراقصة تحت زخات من المطر الحقيقي التي نفذت بفضل تقنيات المؤثرات المسرحية العالمية بمسرح دبي أوبرا لها.
وعلى الرغم من أن الجالسين في الصفوف الأمامية من قاعة المسرح نالهم نصيب من البلل بسبب زخات المطر، فإن دفء التصفيق والبهجة والحماس في تحية فريق العمل في المسرحية طغى على تأثير هذه الزخات المرحة.
كل هذه العناصر الإبداعية تضافرت في إبهار الجمهور بالعرض الذي يقدم على أهم مسارح العالم منذ 13 عاماً وشاهده الملايين، وحط رحاله بمنطقة الشرق الأوسط لأول مرة، بعد أن أهدته دبي أوبرا لجمهورها.
0 تعليق