الحرف يعانق اللون في ملتقى الشارقة للخط - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: عثمان حسن

يشارك عدد كبير من الخطاطين الأتراك، مثل غيرهم من خطاطي الكثير من الدول العربية والإسلامية، في الدورة الحادية عشرة من ملتقى الشارقة للخط، الذي تأتي نسخته الجديدة تحت شعار «تراقيم».. ومن بين هؤلاء الخطاطة التركية بيتول أوتكو التي قدمت لوحة مميزة بالخط الجلي النستعليق، ومستفيدة من الآية السادسة والعشرين من سورة الواقعة التي تقول «إلا قيلاً سلاماً سلاماً» والتي تعني أن أهل الجنة لن يسمعوا في هذه الدار إلا كلاماً طيباً، وذلك لأنها دار الطيبين، ولا يكون فيها إلا كل طيب، وهذا دليل على حسن أدب أهل الجنة في خطابهم في ما بينهم، وأنه أطيب كلام.
دمجت بيتول أوتكو بين النستعليق والجلي، أما النستعليق فقد اشتهر بمكانته الجمالية بين الأقلام الستة، أو ما يعرف بالخطوط الستة، وهي خطوط عربية تعرف بأنها أصول بقية الخطوط: الكوفي والثلث والنسخ والفارسي والديواني والرقعة، والنستعليق لا يزال يستعمله الخطاطون المسلمون في المشرق الإسلامي والعربي، وهو ذو أصل فارسي ومشتق من الثلث، حيث أدخل عليه الخطاطون في فارس رسوماً وأشكالاً زائدة، وهو يسمى عندهم ب«التستعليق» وعند الأتراك «التعليق».
وهذا الخط معروف بخصائصه الجمالية المريحة لعين الناظر، وعلى الخطاط التصرف الحسن في رسم الحروف في الكلمات بارتفاعات ومدات متزنة بالقدر الذي يزيد في جمال هيئته العامة في السطر.
توازن
أما استخدام (الجلي النستعليق)، كما هو عند الخطاطة بيتول، فقد زاد من علامات الجمال لهذا الخط، حيث سبق وأنجز الخطاطون آثاراً كثيرة به على الجدران والآثار المعمارية، من خلال لوحات واضحة وبحجم كبير، وقد تفوّق الأتراك في هذا النوع من الخطوط، كما عند الخطاطة بيتول التي أثبتت من خلال لوحتها قدرة على إبراز جماليات الخط من ناحية التشكيل وكذلك التزيين.
وأول ما يلفت النظر في هذه اللوحة الخطية، هو تلك الحرفة في تصميم اللوحة بأقصى درجة من التوازن والجمال، من حيث مدات حروف الألفات، على نفس القدر من الارتفاع، كما تتبدى براعة الشكل في هذه اللوحة في تصرف الخطاطة بيتول في توزيع كلمات الآية القرآنية على سطح اللوحة، فقد اجتزأت منها (إلا قيلاً) وجعلتها في رأس اللوحة، وتصرفت بكلمتي (سلاماً سلاماً)، وجعلتهما في أسفل اللوحة، وبرعت في مد حرف السين في الكلمتين على جانبي اللوحة الخطية لتحدث تناغماً شكلياً بديعاً أضفى على الخط سحراً مضاعفاً، ليس ذلك فحسب، فقد جزأت الخطاطة بيتول كلمة (سلاماً) إلى (سلا) و(ما) وجعلت (سلا) مرتكزة أو قاعدة ل(ما) وأيضاً على جانبي اللوحة، لتخرج بشكل أو تكوين خطي ساحر من جهة منظوره البصري المريح لعين المشاهد، خاصة أنها أبدت بذات القدر روعة في التنسيق والتنظيم في مدات حرف الألف التي تتكرر أكثر من مرة، وحرصت أيضاً على تزيين لوحتها بعلامات ترقيم واضحة على شكل ثلاث نقاط في أسفل حرف السين من جانبي اللوحة، وبهذا تستفيد الخطاطة بيتول من السمات الجمالية لشعار الملتقى «تراقيم» الذي من المؤكد أنه يمنح اللوحة الخطية جرعة واضحة من التناغم الشكلي ولنقل (الموسيقي) في دلالة واضحة، على أن الخط العربي هو ليس مجرد كتابة خطية فقط، وإنما هو يمنح اللوحة موسيقى بصرية أخاذة ومبهرة.
أكثر من ذلك، فقد صممت الخطاطة لوحتها على أرضية بيضاء، في دلالة واضحة على الشفافية والنقاء، كما خطت الآية ومجمل منظر اللوحة بتدرجات اللون البني، كما يبرز في الإطارين (الداخلي والخارجي) والبني، كما هو معروف من الألوان الطبيعية المحايدة، وفلسفة استخدامه عند الخطاطين تشير إلى مجموعة من النتائج التي تحقق شروط التوازن الداخلي في الإنسان، ومن ذلك الاستقرار والأمان والقيم الراسخة، حيث إنه لون الأرض الثابتة، وهو من الألوان التي تشير إلى الحكمة والدعم والتوجيه، ويعبر عن الأخلاق والقيم المتوارثة ومن ناحية أخرى، فهو لون يرمز للقوة والذكاء، ويوفر رؤى مختلفة ومتغيرة للحياة، لكنها رؤى لا تخرج عن تلك المبادئ الراسخة والعظيمة عند الإنسان.
زخرفة
ولتزيد الخطاطة من عناصر الجمال في لوحتها، فقد زينتها بعناصر من الزخرفة الإسلامية، وهي بكل تأكيد عناصر تأخذ من الوحدة الزخرفية النباتية أو الطبيعية التي يكثر استخدامها في الفنون الإسلامية، برز ذلك في المكونات الزخرفية في الإطار الداخلي للوحة الذي جاء بشكل مستطيل وباللون الأصفر، وهو أيضاً من تدرجات اللون البني الذي أشرنا إليه سابقاً، ويستمر عنصر الزخرفة هذا ليغطي جوانب مدروسة من الإطار الداخلي في توزيعات أو تقسيمات مدروسة بعناية، والزخرفة في هذه اللوحة نجحت في ملء الفراغات أو المساحات الخالية على سطح اللوحة، فكثرة الفراغات بالنسبة لجمهور الخطاطين تشوّه اللوحة وتفقدها الكثير من البريق على مستوى الشكل والتناغم البصري ما بين الحروف والكلمات، وقد ظهرت أشكال الزخرفة عند الخطاطة في وحدات شكلية وهندسية جاءت لتحقق شروط التوازن البصري، من حيث توزيعاتها المتكررة والمتقابلة والمتناظرة، ما أكسب المنظور العام للوحة روحاً وحيوية بادية للعين بشكل لافت.
إضاءة
بيتول أوتكو خطاطة تركية بدأت رحلتها الفنية باللوحات الزيتية والفحم، ثم درست مجموعة من التقنيات الفنية على أيدي أساتذة متخصصين، كما درست خطوط الرقعة والنسخ، وشاركت في معارض محلية ودولية كثيرة منها: معرض «من النقطة إلى الحقيقة.. حسن جلبي وطلابه» في بورصة- تركيا 2022.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق