الناشر: معهد الشارقة للتراث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشارقة: عثمان حسن

«الطيور في التراث والسرديات المعاصرة» للكاتب العراقي ظافر جلود، كتاب يتتبع ظهور الطيور في الكثير من الثقافات الشعبية، والحضارات القديمة، وارتباطها بسلسلة متنوعة من الأساطير والحكايات والمعتقدات، وهو يتتبع أيضاً موضوع الطيور في السرديات المعاصرة على تنوعها في الفن والأدب والمسرح والسينما ضمن دلالات ورموز كثيرة لعل أهمها ارتباط هذه الكائنات بالقوة والحرية والانطلاق.
صدر الكتاب عن معهد الشارقة للتراث، وجاء في 187 صفحة من القطع المتوسط، واشتمل على مقدمة وتعاريف وثلاثة فصول؛ هي: (علاقة الطيور بالإنسان والمكان، الطيور في القرآن الكريم، والطيور في الفنون التعبيرية).
والطيور، كما ورد في الكتاب، تعد رموزاً رائعة في الأساطير والثقافة الشعبية؛ لأنها تجسّد الحرية والقوة والحكمة والجمال؛ حيث نقرأ تحت عنوان (حكايات الطفل كسندر والطير): «عاش تاجر غني مع زوجته في قرية بعيدة، وأنجبا طفلاً وحيداً سمياه كسندر، وسرعان ما أصبح فتى وسيماً وشجاعاً، وكان له عصفور رمادي يضعه في قفص، ولكنه كان حزيناً ونادراً ما يغني، وذات يوم جلس كسندر إلى مائدة العشاء مع والديه، وفجأة بدأ العصفور يغني بصوت رائع عندما كانوا يأكلون، ويستمعون إلى صوته الشجي، وبعد أن استمع التاجر إلى غنائه قال: كم أتمنى لو أعرف ماذا يقول هذا العصفور، سأعطي نصف ثروتي لمن يفسر لي لغة الطيور، فلا شك أن ذلك سيكون ممتعاً، وقد علقت هذه الكلمات في ذهن الفتى، ومنذ ذلك الحين وهو يفكر كيف يتعلم لغة الطيور».
وتستمر القصة فيتعلم الصبي لغة الطيور حتى يصبح ذا شأن كبير، يفسر لقومه ومقربيه وكل من يلتقي بهم من المارة والبحارة أسرار النبات ولغات البجع والعصافير والبط وغيرها من الطيور.
وتتوالى الحكايات والقصص في هذا الفصل، فنقرأ عن قصة (كسندر والأميرة نورا) التي كانت ممددة على الفراش نائمة منذ سنوات، وعندما سمعت غناء العصافير، قالت: «ما أحلى هذا الغناء! منذ متى يعجبك صوت العصافير يا أبي؟، سيكون صوتها آخر شيء أسمعه، ولكن فجأة أصبحت الفتاة تفهم معنى الأغنية، ففتحت عينيها وصاحت، أين كسندر أيتها الطيور؟ فأجابها: أنا بجانبك يا حبيبتي، منذ افترقنا لم أنسك يوماً، وقبل جبينها، فسرت الحياة في عروقها، ورجعت حمرة خديها، ولما رآها الملك (والدها) عانقها وبكى، وقال: لن يبتعد عنك كسندر يعد الآن»... وتستمر القصة حتى يتنازل الملك عن حكمه لكسندر، ويزوجه من ابنته ليظل قربها حريصاً على سعادتها وابتهاجها.

*مكانة
يتتبع ظافر جلود مكانة الطيور في القرآن الكريم، ونقرأ في الكتاب: «لعل أبرز ما رسّخ حضور الطير في الوجدان والثقافة العربية، هو المكانة الخاصة التي احتلها في القرآن الكريم، إذ ورد ذكر (طائر) و (طير) عشرين مرة لتدل على عظمة الخالق، ومنها قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ».. سورة الفيل.
وهذه السورة من القرآن نزلت على النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، لتذكير قبيلة قريش بما فعله الله بأصحاب الفيل الذين حاولوا هدم الكعبة، والسورة تدل على مكانة الطيور في القرآن الكريم، الذي حفل بآيات كريمات تحدثت عن قدرات الطيور الفريدة التي منحها إياها عز وجل، كقوله تعالى: «أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ».. سورة النحل، وكقوله تعالى «أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ».. سورة الملك.

*تشويق
يستعرض مؤلف الكتاب أبرز ما حفلت به كتب التراث الأدبي من قصص وحكايات شائقة أثرت في الآداب العالمية قديمها وحديثها، وهنا، يبرز كتاب كليلة ودمنة» الذي ترجمه ابن المقفع إلى اللغة العربية في العصر العباسي، واحداً من أشهر الكتب التي تهتم بالحيوانات والبهائم والطيور، وتروي القصص على ألسنتها، وتتناول أخبارها؛ فنجد فيها حكاية الغراب الذي يشتكي من جاره الثعبان في قصة «الغراب والثعبان»، بينما تتنازع الغربان مع البوم في قصة أخرى، حيث يصف الغراب البوم بأنه «أقبح الطير منظراً، وأسوؤها خلقاً، وأقلها عقلاً، وأشدها غضباً، وأبعدها من كل رحمة، مع عماها وما بها من العشا بالنهار وأشد من ذلك، وأقبح أمورها سفهاً، وسوء أخلاقها».
والطيور، كما يرد في الكتاب، تتكلم وتفكر كما في «منطق الطير» لفريد الدين العطار، الذي يستخدم الطيور رموزاً للدلالة على معانٍ أوسع في منظومة شعرية من نحو 4500 بيت، حيث تبحث الطيور عن طائر «السيمرغ» يمكنها أن تجعله ملكاً عليها، والطائر المنشود هو طير خرافي يحفل الأدب الفارسي بوجوده منذ القدم ويعادل العنقاء في الأساطير العربية.

*في الموسيقى والنقوش
أثر تغريد العصافير في الملحنين والموسيقيين بطرق عدة، فاستوحوا في أصواتها أو قلدوا تغريدها في ألحانهم الموسيقية كما فعل فيفالدي وبيتهوفن، والعديد من الملحنين الذين أتوا بعدهمأ. كما يمكنهم دمج تسجيلات للطيور في أعمالهم وهو ما شاهدناه لأول مرة في أعمال أوتورينو ريسبيغي، أو كما فعلت باتريس هاريسون في عام 1924 مع العندليب، وديفيد روتنبرغ في عام 2000 مع طيور السمنة المغردة، كما يمكنهم أيضاً أن يغنوا أغنية ثنائية مع الطيور.
من جهة أخرى يتتبع الكتاب موضوع الطيور في الرسومات والنقوش والسجاجيد، ومن ذلك أنه كانت للطيور في الحضارة الفرعونية مكانة كبيرة عند قدماء المصريين، فتأثروا بها وعمدوا إلى تصويرها على جدران المعابد والمقابر، لما لها من دلالات خاصة عندهم، فظهرت في كثير من الآثار الفرعونية مشاهد تربية الإوز والبط، وصور صيد الطيور المائية، وعرف المصري القديم كذلك نوعاً من الدواجن يسمى «الغرغر» أو الدجاج الفرعوني، وتم تصويره على لوحة ساحة القتال المحفوظة بمتحف «أشموليان» في أوكسفورد.

*اجتماع
واستوحى الفرنسي جون كلود كاريار «منطق الطير» لفريد الدين العطار في مسرحية بعنوان «اجتماع الطيور»، مستثمراً الملامح المسرحية للأدب الفارسي القديم، تضم في محورها الأول خمس حكايات رتبها وفق منطقه المسرحي، واضعاً الحكاية الأكثر أهمية في المقدمة، ويجسد دور الهدهد ممثل في بداية المسرحية يتقدم في المشهد الأول، ويروي اجتماع الطيور وسفرها، ثم يتحاور الهدهد مع الطيور المجتمعة حول رغبتها في السفر إلى «السيمرغ»، وعندما قررت الطيور السفر، سمع بينها فجأة صوت العندليب، فتوقفت لتسمع هذا الصوت العذب وعبّر العندليب عن حبه للوردة حتى يبرر عزوفه عن السفر، فحذره الهدهد وأخبره أنه عاشق لجمال زائل وقتي، وفي نهاية هذا الفصل ينصح الهدهد الطيور بترك أعذارها والسفر نحو طائر «السميرغ».

*اقتباسات
* ربطت الأساطير الصينية الخفافيش بالحظ الجيد.
* الحمام كان رمزاً للحب والخصوبة في حضارات الشرق القديم.
* مثل النسر بطل الثقافة عند الشعوب الأصلية في أمريكا.
* «سحر الطيور» لإدوارد غراي حفز على حماية الطيور وبيئتها.
* «منطق الطير» كتاب مقروء ومبصور يراكم على حكمة الفلسفة الأولى.
* أثر تغريد العصافير في كثير من الملحنين والموسيقيين العالميين مثل بيتهوفن.