الشارقة: علاء الدين محمود
تواصلت مساء، السبت، عروض وفعاليات الدورة 34، لمهرجان أيام الشارقة المسرحية، حيث احتضن بيت الشعر، عرض «اليوم التالي للحب»، لجمعية دبا للثقافة والفنون والمسرح، تأليف أحمد الماجد، وإخراج مروان الصلعاوي، بينما شهد قصر الثقافة في الشارقة، وقائع العرض الثاني «صرخات من الهاوية»، لجمعية كلباء للفنون الشعبية والمسرح، تأليف عبد الله إسماعيل عبد الله، وإخراج عبد الرحمن الملا.
المشترك اللافت بين العرضين هو نهوض العملين بثيمة الصراع، وذلك بمستويات مختلفة ومتباينة من التوظيف، لكن جميعها تحمل دلالات صراع البشر وما يترتب عليها من تراجيديا ومأساة، ولعل العرضين قد اجترا تاريخاً طويلاً لهذه الفكرة أو الثيمة التي سيطرت على الناس منذ الأزل وكانت مدعاة للمأساوية والبؤس، حيث جاء التعبير عن تلك الفكرة في العملين بتقنيات وأساليب مميزة استطاعت أن تلفت انتباه الجمهور في «بيت الشعر» و«قصر الثقافة»، وتثير اهتمامهم.
العرض الأول «اليوم التالي للحب»، هو من ضمن الأعمال خارج المسابقة، ويقدم غوصاً عميقاً ومبدعاً حول فكرة الصراع بين الحب والكراهية والحياة والموت وبين الإنسان وذاته، والجبن والشجاعة وغير ذلك من تلك الثنائيات المتناقضة، حيث يتكئ النص على فكرة فلسفية حول الصراع الوجودي بلغة أقرب إلى الشاعرية تكثر فيها المقاطع المؤثرة، على نحو «عيناك زهرتان تتفتحان في غير موعدهما»، و«نسيت أنني مخلوق من تراب كان علي أن أدفع الشرور عنه»، و«الماضي ورم لا يجوز الاقتراب منه»، وتلك التعبيرات تحمل دلالات مهمة لتفسير عوالم العمل التي تقترب من الغموض في كثير من الأحيان، حيث الحب نفسه قد يكون في بعض اللحظات دامياً ومفجراً للصراع، كما أن عبثية الواقع في أوقات كثيرة هي مؤذية للبشر، وكذلك يبدو النبش في الماضي الذي هو مستودع الأسرار ويشكل الاقتراب منه نوعاً من الخطر الذي قد يعلن بداية صراع جديد ربما يكون قد نسي.
ويجسد العرض تلك العوالم من خلال قصة بين زوج وزوجة، كانت البدايات بينهما كالعادة يغمرها الحب وتسكنها العاطفة والمودة، لكن شيئاً فشيئاً تبرز التناقضات كأنها تكتشف لأول مرة، لتكون مدعاة لتنافر بين الطرفين الذين تجاذبا ذات مرة، ليبلغ الصراع أوجه حتى لم يعد هناك من حل غير الانفصال الذي يبدو في العمل هو النهاية الطبيعية لمثل تلك العلاقات المضطربة، ولعل تلك العلاقة بكل تقلباتها منذ البداية وحتى لحظة النهاية هي شديدة الشبه بصراع الوجود كله، أو هكذا يتجه التأويل من خلال معطيات العرض الذي حفل بالحواريات التي تعبر عن ما يعتمل في دواخل النفوس والتي تحمل العديد من الرؤى الفكرية بما يخدم فكرة العمل.
*مقاربات
مخرج العرض استعد جيداً لهذا النص الفلسفي العميق عبر مقاربات إخراجية عمل فيها على مراعاة الابتكار والتعبير عن الحالات القاتمة التي حملها العمل، وذلك عبر توظيف الموسيقى المناسبة، والاعتماد على المجاميع وتحريكها بصورة متقنة، وكذلك استخدام تقنية خيال الظل لتفسير الكثير من الحالات، وحتى يعمق من الحالة المأساوية القاتمة فإن المخرج قام باستخدام الدخان بكثافة كبيرة ليعكس قتامة الوجود، وكذلك كانت الحال مع الديكور حيث تم توظيف الستائر الزرقاء بلون العدم والموت لتعبر عن القلق الوجودي، وغير ذلك من التقنيات المبهرة والتي نتجت عنها صورة بصرية أنيقة تجذب الأنظار وتجعل المشاهد يتفاعل مع الحدث الدرامي منذ بدايته وفي لحظات تصاعده ثم نهايته، ليأتي الأداء التمثيلي وتكوينات المجاميع من أجل إكمال تلك اللوحة الرائعة، حيث كانت حركة الممثلين على الخشبة محسوبة وفي غاية الدقة، حيث برز بشكل أكثر خصوصية الممثل إبراهيم القحومي، الذي قدم أدائية رائعة.
*جماليات
أما العمل الثاني، «صرخات من الهاوية»، وهو ضمن عروض المسابقة، فقد كان مدهشاً في كل تفاصيله منذ البداية المقلوبة إلى لحظة النهاية العجائبية، حيث عبر العمل عن فكرة الصراع بطريقة مميزة، إذ كان النص نفسه بكل تفاصيله اللغوية والشاعرية والفلسفية والسردية حدثاً جمالياً قائماً بذاته، الأمر الذي وضع المخرج أمام ورطة المقاربة والمغايرة وكيفية تكوين النص الخاص بالعرض، غير أن عبد الرحمن الملا قد نجح في تلك المهمة باقتدار من خلال القراءة الجيدة للنص وفهمه وتمثل أفكاره الرئيسية ومن ثم وضع الحلول الإخراجية المناسبة.
العمل شد انتباه الحضور منذ لحظته الأولى التي وجدوا فيها أنفسهم في عوالم غريبة تتمثل في حضور الأشباح والأصوات التي تنادي من مكان سحيق وكأنها تصدر بالفعل من هاوية سحيقة، في لمحة لا تخلو من المقاربات الفلسفية لفكرة الجحيم نفسها من أبعاد ومؤثرات تضع المتلقي في قلب ذلك الآتون الذي صنعه النص، وخلال كل ذلك الوقت من بداية العرض يجد المتلقي نفسه في متاهة وحيرة حول ما الذي يحدث أمامه، ومع مرور الزمن والأحداث يتضح له أن هذه الحكاية كانت معكوسة؛ أي بدأت من لحظة النهاية ثم سارت برفق وتمهل نحو البدايات.
*أسرار
يتحدث العرض عن جحيم العيش في ظل الأسرار وما ينتج عن ذلك من قلق وتوتر وصراعات كامنة وأخرى متفجرة، حيث يحكي عن قصة علاقة بين رجل متزوج وله ابن، مع امرأة أخرى كانت بمثابة عشيقته، وهي العلاقة التي نتجت عنها عملية حمل، وعندما علم ذلك الرجل بالأمر طلب من عشيقته أن تتخلص من الجنين، غير أنها لم تفعل ذلك ولجأت إلى صديقتها وزوجها اللذين استضافا العشيقة حتى لحظة ولادتها لكنها تموت بعد أن تنجب طفلة، وتقوم صديقة المرأة المتوفاة وزوجها بوضع هذه الطفلة أمام بيت والدها الحقيقي «العشيق» الذي لا يعلم عن أمرها شيئاً، والذي يقوم بتبنيها لتكبر في منزله مع ابنه الآخر إلا أن وقع المحظور عندما جمعت مشاعر الحب بين الأخ وأخته، فكان لابد من لحظة إفشاء السر.
قصة مؤثرة ومحتشدة بالمواقف الفاجعة، غير أن المخرج استطاع أن يتصدى للعمل بالعديد من الأطروحات والمقاربات خاصة الاستعانة بالسينوغرافيا بطريقة مبتكرة حيث لعبت الإضاءة في أثناء حركتها مع الممثلين دور البطولة، كما كان الأداء التمثيلي مميزاً خاصة من قبل الممثلة «عبير».
أيام الشارقة المسرحية.. الجمهور في قلب الدراما - ستاد العرب

أيام الشارقة المسرحية.. الجمهور في قلب الدراما - ستاد العرب
0 تعليق