الشارقة: عثمان حسن
ضمن فعاليات البرنامج الفكري المصاحب للدورة الرابعة والثلاثين من أيام الشارقة المسرحية، عُقدت جلسة حوارية بعنوان «أي دور للنقاد في تدوين مسيرة المسرح المصري» للناقد الدكتور إبراهيم الحسيني، أدارها الدكتور وليد الزعابي، بحضور أحمد بورحيمة، مدير إدارة المسرح في دائرة الثقافة، مدير المهرجان، ونخبة من النقاد والباحثين المسرحيين العرب. هدفت الجلسة إلى تسليط الضوء على الحركة النقدية العربية وتتبع مسيرتها منذ بدايات القرن الماضي حتى اليوم، مع استعراض التحولات الكبرى التي أثرت في النقد المسرحي العربي.
*تداخلات
في مستهل الجلسة، أكد د. الحسيني أن النقد المسرحي لم يكن يوماً منفصلاً عن السياقين السياسي والاجتماعي، بل تأثر بهما إلى حدٍّ كبير. موضحاً أن النقاد لطالما سعوا إلى تحليل وتفسير الظواهر الفنية ضمن أطرها الزمنية والسياقية، وهو ما جعل النقد يتحول بمرور الوقت من مجرد تحليل فني للأعمال المسرحية إلى أداة أعمق لفهم التحولات المجتمعية والسياسية.
وأشار الحسيني إلى أن النقد المسرحي في مصر ـــ كنموذج للحالة العربية ـــ مر بمراحل متعددة منذ خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم، حيث تأثر مباشرة بالتحولات السياسية الكبرى. ففي مرحلة ما قبل عام 1950، كان النقد يركز على الجوانب الجمالية البحتة دون ارتباط واضح بالمشهد السياسي. لكن بعد ثورة يوليو 1952، شهد النقد تحولات جوهرية، إذ أصبح مؤدلجاً إلى حد كبير، متأثراً بالاشتراكية التي فرضت حضورها بقوة في ذلك الوقت.
خلال عقد الستينات، لعبت الدولة بحسب الحسيني دوراً محورياً في دعم الإنتاج المسرحي، حيث صدرت مئات الأعمال المسرحية التي حملت رؤى تتماشى مع المدّ الاشتراكي والقومي. إلا أن هزيمة 1967 كانت نقطة تحول فارقة، إذ بدأت الساحة النقدية تعيد النظر في المفاهيم التقليدية عن البطولة والخطاب الرسمي، لتتجه نحو مساءلة الأيديولوجيات المهيمنة وطرح تساؤلات جديدة حول دور المثقف ومسؤوليته في المجتمع.
ومع دخول السبعينات، شهدت مصر تغيرات اقتصادية كبرى نتيجة لسياسة الانفتاح الاقتصادي، مما انعكس على النقد الفني بشكل ملحوظ. بدأ النقاد في هذه المرحلة بمناقشة تأثير الرأسمالية الصاعدة في الفنون والمجتمع، وترافق ذلك مع ظهور اتجاهات نقدية جديدة، بعضها استلهم رؤاه من المدارس النقدية الغربية، بينما سعى البعض الآخر إلى البحث عن هوية نقدية محلية تتناسب مع الواقع العربي.
*فجوة
في الثمانينات والتسعينات، بدأت الفجوة تتسع بين النقد الأكاديمي العميق والنقد الصحفي السريع، وهو ما انعكس على المشهد المسرحي عموماً. وأوضح الحسيني أن هذه الفترة تميزت بغياب رؤية نقدية موحدة، حيث بات من الصعب الحفاظ على ذاكرة نقدية متماسكة وسط التحولات المتسارعة التي شهدها العالم العربي. كما أن إهمال الأرشيف المسرحي وعدم توثيق الكثير من الأعمال المسرحية والنقدية أدى إلى ضياع جزء كبير من الذاكرة الثقافية.
في هذا السياق، أكد الحسيني أن أحد أبرز التحديات التي يواجهها النقد المسرحي العربي اليوم هو غياب الأرشيف النقدي، إذ لم يتم توثيق العديد من المقالات والدراسات النقدية بشكل مناسب، ما أدى إلى فقدان الكثير من الجهود النقدية المهمة. كما أشار إلى أن النقد المعاصر بات يعتمد بشكل متزايد على الانطباعات الشخصية أكثر من التحليل الأكاديمي الرصين، وهو ما أثر في جودة الطروحات النقدية المقدمة.
*الذائقة العالمية
أحد المحاور المهمة التي طُرحت خلال الجلسة، هو تأثير العولمة الثقافية وهيمنة الذائقة المسرحية العالمية على النقد العربي. فقد أوضح الحسيني أن المسرح العربي في سعيه لمواكبة الاتجاهات الحديثة، بات متأثراً بشكل كبير بالأساليب المسرحية الغربية، وهو ما انعكس على آليات النقد أيضاً. وأكد ضرورة إعادة النظر في الأساليب النقدية المتبعة، بحيث يتم استيعاب التطورات المسرحية العالمية دون التفريط في الهوية الثقافية المحلية.
*أدوار
في ختام الجلسة، قدم عدد من النقاد والباحثين المسرحيين مداخلات أثرت النقاش، تطرقت بعض المداخلات إلى ضرورة وجود مشاريع بحثية تعمل على توثيق الحركة النقدية المسرحية بشكل موسع، بينما ركزت مداخلات أخرى على دور التكنولوجيا الرقمية في توفير فضاء أرحب للنقد المسرحي، يمكِّنه من تجاوز العقبات التقليدية التي يواجهها في الصحافة المطبوعة. كما أكد بعض المشاركين أهمية تعزيز جسور التعاون بين النقاد والمبدعين المسرحيين، بهدف تطوير المشهد المسرحي العربي بشكل متكامل، يأخذ بعين الاعتبار التحديات المعاصرة ومتطلبات الجمهور المتغير.
النقد المسرحي.. تحولات كبرى واكبت متغيرات المجتمعات العربية - ستاد العرب

النقد المسرحي.. تحولات كبرى واكبت متغيرات المجتمعات العربية - ستاد العرب
0 تعليق