الشارقة: عثمان حسن
تبرز الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب كشخصية نسوية قيادية ناجحة وملهمة في كل محفل ثقافي عربي ودولي، تزامناً مع الدور الذي تتبناه الشارقة في إثراء المشهد الثقافي العربي والعالمي، وهو دور تستحقه الإمارة عن جدارة، حيث أسهمت الشيخة بدور القاسمي شخصياً بقسط وافر في هذا المشهد المتميز بما لعبته من أدوار مهمة على صعيد الترويج للقراءة والمعرفة وصناعة الكتاب والنشر عالمياً، وما تبوأته من مناصب على صلة وثيقة بهذا المجال، وليس آخرها رئاستها للاتحاد الدولي للناشرين في عام 2021.
إن بروز اسم الشيخة بدور القاسمي في المشهد الثقافي الدولي لم يأت من فراغ فقد جاء ذلك بعد سنوات من التصميم والمثابرة، لخصت رحلة تطور قطاع النشر في الإمارات والعالم، هذا الدور القيادي للشيخة بدور القاسمي رسخ قواعد ثابتة رسمت مستقبلاً أفضل لصناعة الكتاب، حيث كانت البداية كما هو معروف من خلال تأسيسها لدار «كلمات» في 2007 التي أصبحت لاحقاً تعرف بمجموعة «كلمات»، وفي 2009 أسست الشيخة بدور جمعية الناشرين الإماراتيين، ونظراً لنشاطها الملحوظ في عالم النشر وشيوع اسمها كرمز وشخصية قيادية في هذا المجال، شهدت الإمارات والشارقة بخاصة مرحلة بارزة ومهمة على المستوى العالمي، حين أعلن الاتحاد الدولي للناشرين في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 اختياره للشيخة بدور القاسمي رئيسة للاتحاد، وقد تولت هذا المنصب رسمياً بدءاً من أعمال دورة الاتحاد في عام 2021، وكانت أول امرأة عربية تتقلد هذا المنصب في تاريخه وثاني امرأة على مستوى العالم منذ تأسيس الاتحاد قبل 120 عاماً، ومن المهم هنا الإشارة إلى نجاح الشيخة بدور في النهوض بقطاع النشر من أزمته العالمية في ظل تحديات «جائحة كورونا» وظلالها القاسية سواء المباشرة أو غير المباشر على قطاع صناعة الكتاب، بسبب الأدوار المتميزة التي لعبتها وحققت نتائج ملموسة وإيجابية في قطاع النشر الدولي في عهد رئاستها للاتحاد، حيث سبق وأن أعلن الاتحاد في 19 أكتوبر 2021 عن تقرير يكشف عن ملامح تعافي قطاع النشر، قبيل انعقاد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب ما بين 20 و24 أكتوبر من ذلك العام.
شغف البدايات
شغفت الشيخة بدور القاسمي منذ بواكير طفولتها بالعلم والأدب والمعارف والثقافة، فقد أحبّت القراءة، فحملت تقديراً للكلمة المكتوبة.
وسبق وتحدثت الشيخة بدور القاسمي عن ذلك حين صرحت بأن شغفها بالثقافة والقراءة يعود لعائلتها وبالأخص والدها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حيث كان سموه يحرص على سرد القصص أمامها من واقع قراءاته وأسفاره، وفي سنوات نشأتها، جعلها توفر الكتب من حولها تقدر قوة الكلمة المكتوبة، إيماناً بدور الكتب في فتح نوافذ وعوالم جديدة أمام الأطفال، حيث سبق وأكدت على هذا الجانب بقولها: «كلما قرأنا أكثر، ازداد فهمنا لبعضنا بعضاً، ولما يعنيه أن تكون إنساناً».
مبادرات وإنجازات
كان العام 2021 عاماً مفصلياً في مسيرة الشيخة بدور القاسمي، وهو العام الذي تبوأت فيه منصب رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين، وهنا، سطع نجمها على نحو استثنائي في دعم قطاع النشر العربي والدولي بشكل غير مسبوق في مسيرة الاتحاد.
وهنا، كانت مرحلة جديدة دشنت لسلسلة من المبادرات والإنجازات التي حققتها الشيخة بدور ورسمت ملامح مسارات ناجحة لقطاع صناعة الكتاب الذي أضحى ثابتاً وحيوياً، وفي عهدها تطورت استراتيجيات عززت قطاع النشر العالمي، ومن ذلك دعمها لقطاع النشر الإلكتروني في الأسواق العربية، وتدشين يوم عالمي للاحتفاء بالناشرين المعرضين للخطر بغية تقدير تضحياتهم، وذلك من خلال رسالة وجهتها إلى الناشرين في العالم، لمحاربة الرقابة والضغوط السياسية والممارسات غير اللائقة على الناشرين، من أجل فضاء أوسع مع حرية الإبداع وتعزيز الممارسات الثقافية والفكرية.
في الإطار ذاته نجحت الشيخة بدور في رسم ملامح جديدة لمسيرة الاتحاد في صلته بقطاع النشر الدولي وتغيير الأفكار السائدة والنمطية في الاتحاد حول دور المرأة في صلتها بقطاع النشر.
وأكدت الشيخة بدور القاسمي دائماً على الدور المحوري الذي تلعبه المرأة في صناعة الكتاب حيث أوضحت في أكثر من مؤتمر ومحفل أن نقص تمثيل المرأة في قطاع النشر خاصة في المناصب القيادية أفضى إلى منهج أحادي الرؤية في الكتب المنشورة والأدبيات السائدة.
وكانت هنا، محطة جديدة، حفزت الكثير من الناشرات في دول العالم على بروز أسمائهن في واجهة هذا القطاع الثقافي والمعرفي، وتعزيز حضورهن المثمر في قطاع صناعة الكتاب، فأطلقت مبادرة «ببلش هير» لتكون منصة حاضنة للنساء الناشرات.
واستمرت الشيخة بدور القاسمي على الوتيرة المتصاعدة ذاتها لتجسد ملامح هذه الرؤية المستقبلية حضورها الفاعل في الملتقيات ومعارض الكتب الدولية، فمن خلال عدة ملتقيات خاصة أكدت من خلالها أن النساء بحاجة للمساواة في الفرص، مطالبة بمزيد من التعاون والتضامن بين الناشرات لدعم تجاربهن والارتقاء بمسارهن المهني.
40 زيارة ميدانية
وخلال ترؤسها للاتحاد الدولي للناشرين، سعت الشيخة بدور إلى ضرورة العمل على تنفيذ سلسلة من المسوحات الميدانية المدعمة باستطلاعات الرأي حول قطاع النشر الدولي، للاستفادة من مخرجاتها في تطوير قطاع النشر العالمي، فقامت بتنفيذ 40 زيارة ميدانية شملت قارات آسيا وإفريقيا والأمريكتين وأوروبا التقت خلالها الناشرين في بلدانهم، وبخاصة في تلك المجتمعات التي عانت الغياب الطويل عن مشهد الثقافة والنشر الدوليين.
استفادت الشيخة بدور من نتائج الاستطلاعات والمسوحات الميدانية، وتولدت عندها معرفة متراكمة قربتها من جوهر التحديات التي تواجه قطاع النشر العالمي فأطلقت «أكاديمية الاتحاد الدولي للناشرين» التي وصفت بكونها المبادرة الأولى من نوعها منذ تأسيس الاتحاد، ومن خلالها أمكن التواصل مع أكثر من 150 من كبار المسؤولين والمديرين التنفيذيين بصناعة النشر في أكثر من 40 دولة وكان من نتائج هذا الجهد الجبار أن صارت الأكاديمية منصة لكثير من الحوارات واللقاءات والتحليلات المهمة حول مهارات النشر الحديث وتوجهات أسواق وخيارات قرائه لأكثر من 15000 ناشر في أكثر من 70 دولة.
واستكملت الشيخة بدور جهودها بالإعلان عن منح الصندوق الإفريقي للابتكار في النشر، ووجهت هذه المنح لدعم ممارسات النشر التنموية وفي مقدمتها النشر التعليمي والمبادرات التي توفر مصادر المعرفة للمجتمعات متواضعة الدخل لتيسير وصول الكتب للمناطق النائية، إيماناً منها بضرورات إتاحة مصادر المعرفة والتعلم ورعاية الثقافة والمثقفين والمبدعين.
الثقافة للجميع
لقد استطاعت الشيخة بدور خلال ترؤسها للاتحاد الدولي للناشرين أن تدعم كافة العاملين في قطاع صناعة الكتاب، وأن تؤثر في تشكيل ثقافة نحو 430 مليون عربي ينتشرون حول العالم، وأن تدفع بقوة نحو نوافذ وأبواب المعرفة بالتأكيد على دور الكتاب والمؤلفات العربية، لتحتل مرتبة أولى في اهتمام الناشرين الأجانب الذين يقبل قراؤهم على الأعمال المترجمة من الثقافة العربية في مختلف التخصصات المعرفية.
لقد نجحت الشيخة بدور القاسمي في فتح أبواب الاتحاد أمام أعضاء جدد ومفاهيم وثقافات جديدة، لتستفيد من مبادرات الاتحاد مجتمعات لم يكن صوتها مسموعاً من قبل، وتترك في الوقت ذاته بصمات عميقة في ملامح النشر والثقافة على مستوى العالم.
عالم عظيم
بين 10 و12 سبتمبر في العام 2021 أكدت الشيخة بدور القاسمي في كلمتها أمام المؤتمر العالمي ال 37 للمجلس الدولي لكتب اليافعين الذي عقد في العاصمة الروسية موسكو تحت شعار «عالم عظيم من خلال كتاب الطفل» على أهمية العمل على ترسيخ ثقافة القراءة بين الأطفال واليافعين من خلال بناء شراكات مبتكرة وتعزيز التعاون بين المكتبات ودور النشر والمؤسسات الثقافية والحكومات والمنظمات غير الحكومية ومختلف الجهات المعنية بقطاع النشر.
نبعت أهمية ذلك المؤتمر من كونه جمع ممثلين عن الفروع الوطنية الأعضاء في المجلس الدولي لكتب اليافعين، إلى جانب نخبة من الكتاب والرسامين والناشرين المتخصصين بكتب الأطفال واليافعين من مختلف أنحاء العالم.
أكدت الشيخة بدور في ذلك المؤتمر على أن الأطفال هم بناة المستقبل، وأن هناك ضرورة ملحة لاتخاذ خطوات جدية لتحسين فرص وصولهم إلى الكتاب ومصادر المعرفة من خلال الشراكات المبتكرة والتعاون بين جميع أصحاب المصلحة في قطاع صناعة الكتاب.
اقرأ أنت في الشارقة
وانطلاقاً من إيمانها بدور القراءة في ترسيخ الوعي المعرفي، ولكونها المؤسِّسة والرئيسة الفخرية لجمعية الناشرين الإماراتيين أطلقت الشيخة بدور القاسمي، في 18 يوليو من هذا العام حملة «اقرأ أنت في الشارقة» وتنظمها وتنفذها شركة منصة للتوزيع، بهدف تعزيز ثقافة القراءة لدى أفراد المجتمع، وترسيخ مكانة الشارقة عاصمة ثقافية للعالم العربي، ويجسد عنوان الحملة المستلهم من الشعار الشهير الذي يميز الإمارة «ابتسم أنت في الشارقة» المكانة العالية للكتاب والمعرفة في الإمارة بإرثها الملهم في دعم الثقافة والقراءة والأدب.
وخلال ترؤسها لمجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب في العام 2024، واصلت الشيخة بدور دعمها لكافة مجالات ترسيخ المعرفة وصناعة الوعي، ففي 7 مايو من هذا العام شاركت استراتيجية الهيئة التنموية مع أعضاء مجلس الإدارة خلال الاجتماع الرسمي الثاني للمجلس في مدينة الشارقة للنشر على هامش فعاليات «مهرجان الشارقة القرائي للطفل 2024»، وبدأ المجلس بتنفيذ استراتيجية تتضمن ثلاثة محاور رئيسية تركز على «النمو والتوسع» و«الشراكة الاستراتيجية والتنوع» و«الابتكار والتمكين» بهدف توسيع نطاق تأثير الهيئة وتعزيز مكانة الشارقة كمركز عالمي للنشر والنسخ والترجمة والتوزيع والرسوم، وأيضاً مواكبة التوجهات العالمية في الاقتصاد المعرفي، مع الاستثمار في التطور التكنولوجي وما يوفره في قطاع الكتاب والصناعات الإبداعية.
تكريمات وجوائز
حصلت الشيخة بدور القاسمي على العديد من التكريمات والجوائز في مسيرتها الناجحة كامرأة قيادية حققت الكثير في الشأن الثقافي والأدبي، وهو نجاح يستحق فخر المرأة الإماراتية والعربية كما يسجل في رصيد المرأة على المستوى العالمي، وهو الذي جعلها محط أنظار المؤسسات والجمعيات ومراكز صنع القرار الثقافي في العالم، فقد سبق واختارتها مجلة «فوربس الشرق الأوسط» ضمن أقوى 200 سيدة عربية في قطاع الأعمال العائلية، وحصلت كذلك على جائزة «شخصية العام» لمهرجان طيران الإمارات للآداب، وجائزة «شخصية العام» لجائزة الشارقة للتميّز التربوي، وجائزة المرأة العربية لفئة التعليم وغيرها.
0 تعليق