مروة العقروبي*
من يمتلك التاريخ، يمتلك مفاتيح المعرفة، ومن يعي التراث ويدرك أهميته المستدامة، يمسك بسر جوهر الإنسان وهويته وقيمه، هكذا تجسدت حكمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهو يخاطب محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي ومرافقيه، خلال حفل العشاء الذي نظمته «هيئة الكتاب» احتفاءً بالمغرب ضيف شرف المعرض.
قال سموه: «نتمنى أن تكون هذه الزيارة بادرة خير على الأمة العربية والإسلامية لنقل تراثها إلى أبنائها ليعرفوا المغرب وتاريخها، وأن المغرب اختزن وحافظ ولم يشوّه أي تراث، ونتمنى أن يكون لنا مقام في خدمة البحث العلمي في التراث العربي المغربي». إن حرص صاحب السمو حاكم الشارقة على التراث، يتجاوز حدود البحث في التاريخ بوصفه زمناً مضى، ويأتي في سياق استعادة مكانة الثقافة العربية على مستوى العالم، وهي عملية تبدأ من إحياء جذورها الأصيلة، والاستمرار في دراستها واستكشاف عناصرها، لذلك أكد سموه على رغبته في فتح مجال التعاون في البحث العلمي في التراث العربي المغربي مع الجامعات المغربية، وهي رغبة تؤكد ما تمتلكه المغرب من عراقة وأصالة ثقافية.
ونحن نحتفي في جناح بيت الحكمة في معرض الكتاب، بجامعة القرويين المغربية، الجامعة الأقدم في العالم ولا تزال تمنح الشهادات التعليمية حيث تأسست في فاس عام 859 ميلادية على يد فاطمة الفهرية، ونتشارك مع الجمهور فخرنا بهذه المؤسسة العريقة، وبدورها الرائد في ترسيخ ونشر العلوم والمعارف.
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كنت في زيارة لجامعة القرويين ومكتبتها المعروفة ب «خزانة القرويين» التي تضم آلاف المخطوطات النادرة في مختلف فروع المعرفة، معظمها لم يغادر أسوار الجامعة منذ نحو 1200 عام، واطلعت على قسم الترميم في المكتبة، والذي يعتبر من أكثر المراكز حرفية ومهارة وقدرة في التعامل مع نفائس الكتب ونوادر المخطوطات وإصلاحها وإعادتها إلى أصلها الأول.
وفي هذه الزيارة دشّنا لمرحلة جديدة من التعاون بين البيت والخزانة، تجلّت بداياته في هذه التجربة التفاعلية التي نقدّمها لزوار المعرض، حيث نتيح لهم فرصة الاطلاع على نسخ رقمية من أندر المخطوطات والكتب التي تزخر بها الخزانة، من بينها نسخة نادرة من القرآن الكريم تعود إلى القرن الثالث الهجري، منسوخة بالخط الكوفي العريض على رقّ الغزال، ونسخة من كتاب «العِبر وديوان المبتدأ والخبر» لابن خلدون صنفتها اليونيسكو ضمن التراث العالمي الإنساني.
لا شيء يحتاج إليه الإنسان العربي، أكثر من الشعور بالفخر بتراثه، ليكون جزءاً من مشروع ثقافي إنساني كبير، فالأمم تكبر من داخلها أولاً ثم تبني صروحها بما يتناسب مع ما تشعر به من حجم ومكانة، ونحن مكانتنا كبيرة، وآثارنا عريقة، ومستقبلنا لن يكون إلا خطوات للأمام، وهذه هي غايتنا من حفظ التراث العربي للأجيال القادمة.
0 تعليق