الشارقة: عثمان حسن
الناشر: معهد الشارقة للتراث
«أنسنة الحيوان وسلوكيات أخرى» هو كتاب للدكتور محمد عبد الله الريح من السودان، هو كتاب يبحث في سلوكيات الحيوان بوصف هذا السلوك يضيء على عوالم غريبة ومدهشة أثرت في الإبداع الإنساني، وأنتجت الكثير من النماذج الأدبية الخالدة، بدءاً من النصوص العالمية المعروفة كملاحم جلجامش والإلياذة والأوديسة، وليس انتهاء بما كتبه العرب.
صدر الكتاب عن معهد الشارقة للتراث، وجاء في 336 صفحة، واشتمل على تمهيد ومقدمة و23 باباً بينها: (عنترة بن شداد العبسي والذباب، بدر بن عمار والأسد والمتنبي، الجدادة والأسد، الزرافة معجزة الله في أرضه، الوطواط أو الخفاش جهاز إرسال واستقبال متقدم، لغة النمل، اللاموس موسم الهجرة إلى الموت، غراب في الكف، البصمة الوراثية، كيف يقاوم الجسم الألم، الصدفة هل لها قانون، البذور مشاريع الحياة المؤجلة، العنكبوت المسطولة).
يؤكد د. محمد عبدالله في مقدمة كتابه إلى أن معرفة السلوك الحيواني يجعلنا على حافة معرفة أساسية ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله: «وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم مثلكم» وهي تعطينا مدخلا إلى فهم أنفسنا وتصرفاتنا، ولذلك امتلأت الدراسات القديمة بما يسمى «أنسنة الحيوان» وهذا نوع من الأدب يحمل الحيوان كثيرا من الحكم والمواعظ، ويجعل الحيوان ينطق بها.
*ملاحظة
ويشير الكتاب تحت باب (عنترة بن شداد العبسي والذباب) إلى ملاحظة مذهلة سجلها عنترة في معلقته:
«هل غادر الشعراء من متردم / أم هل عرفت الدار بعد توهم». فيلفت انتباهه في قصيدة عنترة الوصف الدقيق للذبابة وهي تحك ذراعها بذراعها كما يفرك الأجذم (مقطوع اليد أو الأصبع) الزناد ليوقد من العيدان ناراً.. فيقول: لو أخذنا بعضاً من الوقت وتتبعنا ذبابة تطير من مكان إلى مكان لوجدناها باستمرار تقوم بحك ذراعيها الأماميين ثم تمسح قرني استشعارها بيديها ثم تمسح رجليها الخلفيتين بفوق جناحيها ثم تطير لمكان آخر، ويتدحرج سؤال من الملاحظة: لماذا يفعل الذباب ذلك؟ «ويجيب المؤلف: عنترة بن شداد لم يتوقف ليسأل ذلك السؤال، إذ إنه يرسم شعرياً وبصدق بالغ ملاحظة عند السلوكيين للغوص في محاولة سبر غور ذلك المنحى السلوكي الذي لم يلتفت إليه إلا عالم فرنسي هو ديثير عام 1930، وهو الذي يثير السؤال: ما الذي يجعل الذبابة تفرك يديها في كل مرة تنزل على سطح؟ وبعد ملاحظات عدة تبين أن براعم التذوق لا توجد على لسان الذبابة، ولكن على جناحيها وعندما تضعهما على سطح تتحسس ما عليه من مواد، سكر، ملح، حنظل، فإذا كان على استحسانها أخرجت لسانها الملتف على نفسه داخل فمها وأخذت تلعق الحساء أو السكر الموجود، وقام العالم ديثير بعدد من التجارب توصل فيها إلى أن الجهاز العصبي للذبابة يستطيع أن يشعر بتلك المواد التي يتعرض لها جناح الذبابة.
* المتنبي والأسد
يورد المؤلف قصة بدر بن عمار الذي كان حاكماً على الأردن، وكان شجاعاً جسوراً، وعندما كان المتنبي يزور الأردن سمع بأن الأمير بدر قد أذهل سكان الأردن بشجاعته الفائقة وهو يتصدى لأسد بسوطه فقط، وكان سكان عمّان فوجئوا ذات يوم بأسد يصول ويجول في ربوع مدينة عمّان، فاستنجدوا بأميرهم الذي كان لا يحمل إلا سوط هجم به على الأسد ودحره.
حركت هذه الواقعة في المتنبي شاعرية متدفقة إعجاباً ببسالة الأمير فأنشد قصيدته التي يقول فيها:
أَمُعَفِّرَ اللَيثِ الهِزَبرِ بِسَوطِهِ.. لِمَنِ اِدَّخَرتَ الصارِمَ المَصقولا / وَقَعَت عَلى الأُردُنِّ مِنهُ بَلِيَّةٌ.. نُضِدَت بِها هامُ الرِفاقِ تُلولا / وَردٌ إِذا وَرَدَ البُحَيرَةَ شارِباً.. وَرَدَ الفُراتَ زَئيرُهُ وَالنيلا / مُتَخَضِّبٌ بِدَمِ الفَوارِسِ لابِسٌ.. في غيلِهِ مِن لِبدَتَيهِ غيلا / ما قوبِلَت عَيناهُ إِلّا ظُنَّتا.. تَحتَ الدُجى نارَ الفَريقِ حُلولا.
ود. محمد عبدالله يحاول تفسير تلك الحادثة أي حادثة هروب الأسد من السوط، بحادثة أخرى من غرب السودان، حيث درجت نساء قبيلة (البقارة) على مواجهة الأسود عندما تهاجم الأبقار بعصا طويلة من فروع الأشجار وعندما يلوّحن بتلك العصا تهرب الأسود من المكان، وتفسير ذلك أن الأسد حيوان نبيل وهو يهرب من احتقار المرأة له لأنها امرأة في المقام الأول، وثانياً لأنها خرجت إليه وهي لا تحمل سلاحاً بل عصا، فيهرب الأسد من فضيحة أنه اعتدى على امرأة لا تحمل سلاحاً.
* حياة البذور
في مجال آخر، يناقش المؤلف مسألة البذور، فثمة شيفرة نبات مكتمل داخل بذرة لا يزيد حجمها على رأس دبوس..وهذا سر من الأسرار الإلهية التي وضعها الله في مخلوقاته، فالبذرة الملقاة على الأرض تحمل في جوفها كل احتمالات المستقبل. ويشير المؤلف إلى تجارب علمية متعددة على البذور، ففي عام 1856، أرسلت ستمئة بذرة مختلفة من الحدائق النباتية الملكية في كيو بيريطانيا إلى جامعة ملبورن/ أستراليا لزراعتها، ولكن لم تكن المزرعة مهيأة فظلت تلك البذور حبيسة الأدراج حتى عثر عليها عام 1906، وقد قام الدكتور أيوارث بزراعتها ولدهشته فقد نما منها ستة وأربعون نوعاً، ظلت الحياة خامدة في داخلها نحو 50 عاماً.
الأغرب من ذلك، كما يشير الكتاب ما يتعلق بنوع من البذور ظلت راقدة تحت التربة، تحت ظروف جيولوجية معينة وتمت زراعتها بعد ذلك بنجاح، حدث ذلك في أحد الأقاليم الصينية حين تم اكتشاف بعض البذور التي كانت توجد تحت بحيرة جافة على عمق لا يزيد على قدمين والتي كانت قد غطتها الطبقات الطينية، وقد أرسلت البذور إلى لندن وتمت زراعتها ونمت وكان ذلك عام 1933، وكثير من التجارب العلمية كشفت عن نمو عدة بذور عمرها يصل إلى عشرة آلاف سنة، وتلك من الحقائق المدهشة التي فاجأت العلماء.
* بين
يورد الكتاب أمثلة عدة حول بعض الكائنات الحيوانية التي يشابه سلوكها -نوعاً ما - السلوك الإنساني، ومن ذلك، ومن ذلك ما ذكره العالم الاسكتلندي فوربس في مؤلفه«نجوم البحر البريطانية» ونشر عام 1840، أثبت من خلاله أن ثمة نوعاً من هذه الكائنات البحرية -النجوم خماسي الشكل يتميز بقدرته على الفتك بنفسه.
وهناك قصة الموت الجماعي الذي يقوم به حيوان اللاموس، الذي قاد إلى حقائق غريبة، حيث لا ندري أن تلك الحيوانات تنتحر بصورة عقلانية محددة، ولكن سلوكها في النهاية يؤدي إلى نتيجة أشبه بالانتحار.
* اقتباسات
* تتعامل الذبابة مع محاليل مختلفة التركيز والمذاقات.
* تفرز ملكة النمل مادة حامضة لتدلل على أنها حية ترزق.
* بالإمكان نقل معلومات معينة وسلوك معين من حيوان إلى آخر.
* جرو الأسد يولد أعمى ويمكث مدة أسبوع حتى يفتح عينيه.
* المخ يفقد كل يوم مئة ألف خلية بعد أن يبلغ الإنسان العشرين من العمر.
* يستخرج مخدر«ميسكالين» من نوع معين من نبات الصبار.
0 تعليق