بناءً على ما حدث في اجتماعات بون التحضيرية التي عقدت خلال الفترة من 3 إلى 13 يونيو 2024، كان متوقعاً أن يتصدر موضوع التمويل، نقاشات ومخرجات مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين الذي عقد خلال الفترة من 11 الى 24 نوفمبر 2024 (كان من المفترض أن ينتهي في 22 نوفمبر). في بون، أي قبل حوالي ستة أشهر من«COP-29» في باكو، كان الموضوع الأساسي الذي استغرق وقت الاجتماع تقريبا، وفجّر الخلافات على نحو غير مسبوق بين الدول النامية ممثلة في مجموعة الـ77+ الصين ومجموعة التفاوض الغربية (أمريكا وأوروبا تحديدا)، هو التوصل لخيارات ملموسة للهدف المالي لما بعد عام 2025، الذي أُطلق عليه «الهدف الجماعي الكمي الجديد» (New Collective Quantified Goal – NCQG). في ذلك الاجتماع، قدمت مجموعة التفاوض العربية، بدعم من أكبر مجموعة تفاوضية، مجموعة الـ 77+ الصين، مقترحات صدمت الأوروبيين، لما نصت عليه من إلزام الدول الغربية الغنية بدفع ما يصل إلى 1.1 تريليون مليار سنويا للعمل المناخي اعتباراً من عام 2025 إلى عام 2029، عن طريق فرض ضرائب على شركات إنتاج الأسلحة وشركات التكنولوجيا وشركات الموضة والأزياء، فضلاً عن المعاملات المالية. الدول الغربية رفضت تلك المقترحات بشدة، وأكدت أنها لن تلتزم بأكثر مما تم الاتفاق عليه بخصوص توفير التمويل اللازم لمكافحة ظواهر الاحتباس الحراري، في مؤتمر الأطراف الخامس عشر في عام 2009 في كوبنهاجن، وهو مبلغ 100 مليار دولار سنوياً فقط، اعتباراً من سنة 2020.
يمكن أن نطلق على مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين مؤتمر تمويل المناخ، حيث نجحت مجموعة الـ77 والصين (الدول النامية) في فرض موضوع التمويل على رأس اهتمامات ومناقشات المؤتمر. لكن المؤتمر، في ذات الوقت، سجل نفسه كمؤتمر الاستقطابات الحادة التي أفضت إلى نتائج غير محسومة في معظم القضايا المطروحة على جدول أعماله، وعلى رأسها موضوع التمويل الذي سيطر على أجواء ومناقشات المؤتمر؛ إلى جانب تجاذب الطرفين، الدول النامية والدول الغنية، بشأن اعتماد قواعد لسوق الكربون العالمية، والموقف من موضوع التخفيف (خفض انبعاثات الاحتباس الحراري) الذي أدت تنحيته جانباً، على غير العادة، إلى إثارة حفيظة الدول الغنية.
بعد أن نشر منظمو مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين قائمة محدّثة لقادة العالم الذين سيتحدثون في باكو، تبين غياب العديد من القادة مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الصيني شي جين بينج، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن، والمستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، والرئيس الكولومبي جوستافو بيترو، والرئيس الكيني ويليام روتو. إذ فضلوا إرسال من ينوب عنهم لحضور المؤتمر.
كان الرؤساء المشاركون في المحادثات حول الهدف الجديد لتمويل المناخ بعد عام 2025 المعروف باسم «الهدف الجماعي الكمي الجديد» (New Collective Quantified Goal – NCQG)، قد أصدروا في منتصف أكتوبر 2024، وبعد أشهر من المفاوضات التمهيدية، وثيقة من تسع صفحات أرادوا أن تكون بمثابة أرضية جيدة لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين. لكن المجموعة الشاملة للدول النامية (مجموعة الـ 77 والصين)، رفضت المقترح وفرضت معاودة النقاش من جديد حول الموضوع، قائلة إن أعضاءها لا يستطيعون قبول النص كأساس للمفاوضات. لقد صارت الدول النامية، ممثلة في مجموعة الـ 77 والصين، تتحدث الآن بصوت موحد وتريد أن تكون مطالبها المشتركة أكثر بروزا. فقد اقترحت 1.3 تريليون دولار سنويا، مع أهداف فرعية للتخفيف (تدابير خفض الانبعاثات)، والتكيف والخسائر والأضرار. لقد أرادت وضع هدف واحد للأموال التي يمكن للدول المتقدمة توفيرها ورأس المال الخاص الذي يمكنها حشده. وقد رفضت المجموعة فكرة تحديد هدف آخر للاستثمارات المناخية الأوسع نطاقاً ــ وهو ما تفضله الحكومات الغربية كوسيلة لتخفيف الضغوط عنها. كما تمسكت مجموعة الـ 77+ الصين بموقفها الثابت من عدم توسيع قاعدة المساهمين لتشمل الاقتصادات الناشئة الأكثر ثراءً مثل المملكة العربية السعودية والصين. بينما أبدت الدول الغربية عدم استعدادها للالتزام بتقديم أكثر من 100 مليار دولار سنوياً التي جرى الاتفاق بشأنها في مؤتمر الأطراف في كوبنهاجن في 2009، ما لم يتم توسيع قاعدة المساهمين.
شهد المؤتمر، منذ يومه الأول، اشتباكاً سياسيا حاداً بين الرئيس الأذري إلهام علييف ووفود الاتحاد الأوروبي. فبينما هاجم علييف استمرار استعمار أوروبا لبعض الجزر في الكاريبي والمحيط الهادئ (عدّد منها اثنتي عشرة جزيرة)، ونفاقها بالنسبة للوقود الأحفوري، رد الأوروبيون بالقول إن أذربيجان تستغل انعقاد المؤتمر على أراضيها لخدمة أجندتها الذاتية الخاصة. كما ألغت وزيرة البيئة الفرنسية رحلتها إلى باكو للمشاركة في المؤتمر، فيما قررت باكو إلغاء مقترح كان مقرراً أن تتقدم به حول إنشاء صندوق للعمل المالي المناخي يتم تمويله من إيداعات طوعية من قبل البلدان والشركات المنتجة للوقود الأحفوري. أحد اللوبيات المناخية الأوروبية التي تعمل تحت يافطات مضللة مثل منظمات مجتمع مدني (NGOs)، وما تسمى «مجموعة خبراء وعلماء المناخ»، دعوا إلى عدم عقد مؤتمرات الأطراف في الدول المنتجة للوقود الأحفوري.
0 تعليق