بعد هجوم نيوأورليانز.. «رسائل أليجي» تفضح العالم الخفي لـ«الإرهاب الذاتي» - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

إعداد ـ محمد كمال
من مؤامرة حفلة النجمة العالمية تايلور سويفت في فيينا إلى حادث الدهس في نيو أورليانز الأمريكية، وغيرها من العمليات المصنفة «إرهابية» مؤخراً، تظهر عبارة شبه مكررة في تحقيقات الأجهزة المعنية، ومفادها أن المشتبه فيه «تصرف بمفرده»، في الوقت الذي كشفت رسائل تُنشر لأول مرة الكثير من أسرار هذا العالم المظلم، والذي أصبح يُطلق عليه «التطرف الذاتي».


ـ مؤامرة حفل فيينا ـ 
بحلول الوقت الذي خطرت فيه فكرة تفجير حفل تايلور سويفت، كانت حياة «بيران أليجي» قد انهارت تماماً. ففي يوليو/تموز، وسط حالة من الاضطراب النفسي، استقال الشاب النمساوي البالغ من العمر 19 عاماً فجأة من وظيفته كمتدرب في مصنع، ثم عزل نفسه في شقته، وأصبح مهووسًا، كما أخبر الشرطة لاحقًا، بفكرة الموت.
ومع التعثر في حياة الشاب، وبدلاً من السعي لانطلاقة جديدة، بدأ ينغمس في عالم افتراضي تغرقه مقاطع الفيديو العنيفة وغرف الدردشة السرية المخصصة لتنظيم داعش الإرهابي، وفقاً لسجلات الهاتف التي استولت عليها الشرطة.
وبحسب ما كشفته الوثائق التي نشرتها «واشنطن بوست»، فقد بدأ يتطلع إلى الجماعة الإرهابية أولاً للحصول على الإلهام، ثم للحصول على نصائح عملية حول التخطيط لهجوم.
وكتب الشاب في رسالة نصية إلى شخص مجهول يعتقد أنه عضو في التنظيم، وفقاً للسجلات النمساوية: «عمليتي ستتم في حفل موسيقي كبير.. سأحاول الحصول على بندقية وقنابل. إذا لم ينجح ذلك، سأستخدم السكاكين الكبيرة. وإلا سأقتل ضابط شرطة وأنتزع سلاحه».
والهجوم المخطط له على حفل تايلور سويفت أحبطته الشرطة في 9 سبتمبر بفيينا عندما ألقت القبض على المشتبه فيه، الذي كانت رسائله عبر الإنترنت تخضع للمراقبة من قبل وكالة استخبارات أجنبية واحدة على الأقل.


ـ رسائل أليجي ـ 
مئات الرسائل النصية، التي لم يتم الكشف عن تفاصيلها من قبل، تسلط الضوء على طريق نحو التطرف يحمل أوجه تشابه مذهلة مع ما لاحظته الشرطة في قضايا الإرهاب الأخيرة الأخرى، بما في ذلك هجوم نيو أورليانز.
في الرسائل عبر الإنترنت، يظهر أليجي كشاب مضطرب، وفقًا لوصفه لنفسه، كان لديه عدد قليل من الأصدقاء ويعاني بانتظام الاكتئاب. 
وقال المحققون إن الشاب المولود في فيينا لمهاجرين من مقدونيا الشمالية، كشف فحص هاتفه عن ظهور العشرات من مقاطع الفيديو الدعائية لتنظيمات إرهابية، ويظهر ملف قضيته أن اهتماماته تزامنت مع تغير في سلوكه خلال سنته الأخيرة في المدرسة. 
حيث أخبر أحد مسؤولي المدرسة الشرطة أن أليجي أظهر ميولًا معادية للمجتمع في الفصل الدراسي، وأن موظفي المدرسة قلقون من أنه أصبح «خطراً للغاية».
ووفقًا لرواية الشرطة، التقط أليجي في غرفته، عدة صور سيلفي بكاميرا هاتفه، مع السكاكين ومنجل اشتراه عبر الإنترنت. كما سجل أيضًا العديد من مقاطع الفيديو المربكة التي أعرب فيها عن دعمه لتنظيم داعش الإرهابي وتحدث عن رغبته في ارتكاب عملية غير محددة. 
وأوضح لاحقًا للشرطة أنه استوحى أفكاره من التفجير الانتحاري الذي وقع عام 2017 في مانشستر بإنجلترا، والذي أسفر عن مقتل ما يقرب من عشرين شخصًا في الخارج في حفل موسيقي لنجمة البوب الأمريكية أريانا غراندي.
وفي عمليات بحث أخرى عبر الإنترنت، قام بتنزيل تعليمات لصنع قنبلة محلية الصنع وبدأ في الاستفسار في غرف دردشة عن طرق البحث عن الأسلحة من البائعين الغامضين عبر الإنترنت. 
وخلال محادثة في 28 يوليو/تموز مع بائع أسلحة أمريكي سأله: «أنا مهتم بشراء الأسلحة. هل تشحن إلى النمسا؟. وإلى جانب الأسلحة النارية، قال إنه يريد مخازن ذخيرة ذات سعة كبيرة، وكاتم صوت إذا أمكن، ومتفجرات، إذا كانت متوفرة».
كما تظهر سجلات الشرطة أنه سرق بعض المواد الكيميائية من مكان عمله واشترى مواد أخرى من المتاجر، وقام بخلطها معًا في مطبخه لتجهيز قنبلة.


ـ طلب المشورة ـ
ومع اقتراب موعد الحفل، أصبحت جهود أليجي محمومة بشكل متزايد، كما تشير الوثائق. وباستخدام هاتفه، أجرى أكثر من عشرين عملية بحث عبر الإنترنت عن حفل تايلور سويفت، كما قرر طلب المشورة من تنظيم داعش الإرهابي. 
وبعد الحصول على معلومات الاتصال من أحد معارفه عبر الإنترنت، جلس أليجي في شقته في وقت متأخر من مساء يوم 30 يوليو وكتب رسالة إلى شخص يدعى «أبوعمر»، وهو شخص يعتقد أنه مسؤول في التنظيم. وتظهر الوثائق أن عملية التبادل تمت مراقبتها من قبل وكالة استخبارات أجنبية وأصبحت فيما بعد دليلاً رسميًا في القضية.
وعرض مسؤول التنظيم المزعوم المساعدة، بما في ذلك عن طريق توفير الأسلحة. وفي إحدى الرسائل المتبادلة، قال أبوعمر إن التنظيم الإرهابي يمكن أن يزود أليجي بسلاح دمار شامل، عبارة عن «غاز السارين»، واقترح أن يقوم أليجي بوضع الحاوية في مكان مزدحم والسماح للأبخرة القاتلة بالتسرب.
وبعد أيام، تلقى مسؤولو المخابرات النمساوية معلومات مما قالوا إنها وكالة «شريكة» كانت تراقب محادثات أليجي عبر الإنترنت. 
وقبل يوم واحد من أولى حفلات سويفت المقررة، اقتحمت فرق التدخل السريع النمساوية شقة أليجي بعد إخلاء المنازل القريبة بسبب خطر وجود متفجرات مخبأة. 
ـ هجوم رأس السنة ـ 
ومثل المشتبه فيه النمساوي، يبدو أن المتهم بدهس حشود من المحتفلين بالعام الجديد في شارع بوربون في نيو أورليانز بمركبته، قد تحول إلى التطرف بعد سلسلة من الأزمات الشخصية، بما في ذلك الطلاق وفقدان الوظيفة والإفلاس المالي. 
ومثل أليجي، وُصف شمس الدين جبار، وكان أحد سكان هيوستن، بأنه استوحى أفكاره من تنظيم داعش الإرهابي وتعهد بالولاء للتنظيم في مقطع فيديو صنعه بنفسه.
ورغم أن دوافع جبار الدقيقة غير معروفة حاليًا، لكن في العديد من الحالات الأخيرة، يبدو أن مرتكبي الجرائم لم يكونوا مدفوعين بالأيديولوجية أو السياسة بقدر ما كانوا مدفوعين بالغضب بسبب إخفاقات شخصية، كما يقول خبراء الإرهاب. 
وقد يكون لدى المشتبه فيهم اتصال مباشر ضئيل أو معدوم بالتنظيم. ومع ذلك، لا تزال الجماعة الإرهابية تشكل مصدراً محتملاً للتطرف وذريعة مريحة، في ذهن المهاجم، لتبرير العنف.
ـ هجمات ذاتية القرار ـ 
ومن الواضح أن تنظيم داعش الإرهابي نجح في بناء حضور مزدهر على شبكة الإنترنت، كما أنه يشجع أتباعه على تنفيذ هجمات إرهابية أينما كانوا، دون انتظار تعليمات أو موافقة. 
ويقول بروس ريدل، خبير مكافحة الإرهاب والذي عمل في وكالة المخابرات المركزية بالولايات المتحدة لمدة 30 عاماً عن جبار: «هذه حالة كلاسيكية لشخص عانى مشاكل مادية واجتماعية خطرة، ويجد الآن سبباً لتبرير غضبه»، حيث قال المهاجم في رسالة مصورة، إنه فكر في قتل عائلته قبل أن يختار تنفيذ هجوم إرهابي على غرار تنظيم داعش.
وقال مسؤولون نمساويون إن نفس الإخفاقات والإحباطات الشخصية واضحة في وثائق التحقيق مع أليجي، المسجون في انتظار تقديم لائحة اتهام رسمية بتهم تتعلق بالإرهاب متوقعة في وقت مبكر من هذا العام.
ولكن على عكس جبار، وهو عسكري يبلغ من العمر 42 عامًا خدم في أفغانستان، كان لدى أليجي الحد الأدنى من الموارد والقدرات القليلة، ويبدو أنه انجذب إلى حفل تايلور سويفت كهدف للفرصة، كما تظهر السجلات. 
وقال المسؤولون إنه لم تكن لديه خطة واضحة وتم إحباط محاولاته للحصول على الأسلحة مراراً وتكراراً، مما دفعه إلى بذل جهود لصنع قنبلة في منزله.
ويعرب مسؤولو الاستخبارات عن قلقهم إزاء تزايد حالات «التطرف الذاتي» بين المراهقين الذين، مثل أليجي، حيث يعتبرونهم مستهلكين متعطشين لفيديوهات تنظيم داعش الإرهابي في العالم المظلم من الإنترنت.
ويكشف تقرير للشرطة النمساوية أن أليجي أقسم الولاء لتنظيم داعش الإرهابي في مقطع فيديو صنعه بنفسه قبل أسابيع قليلة من حفل تايلور سويفت، وبعد تقييم الأهداف المحتملة، فكر لفترة وجيزة في مسجد ودبلوماسيين في فيينا، حيث قرر أنه سينفذ هجومًا إرهابيًا باسم الجماعة في حدث عام كبير في المدينة.
 


ـ كواليس عملية جبار ـ 
يقول مكتب التحقيقات الاتحادي في الولايات المتحدة إنه يعتقد الآن أن شمس الدين جبار البالغ من العمر 42 عاماً تصرف بمفرده، بعد أن ألمح في البداية إلى اعتقاده أن لديه شركاء، خصوصاً مع العثور على عبوات ناسفة مزروعة في موقع الحادث.
كاميرات المراقبة أظهرت جبار وهو يتجول في شوارع نيو أورليانز قبل ما يزيد قليلاً على ساعة من قيامه بقيادة شاحنة صغيرة ودهس رواد حفلة رأس السنة الجديدة، مما أسفر عن مقتل 14 شخصًا على الأقل. ثم نشرت السلطات صورة للمبرد الذي أخفى فيه جبار عبوة ناسفة قبل زرعها بالقرب من تقاطع شارع بوربون وشارع أورليانز.
وقال كريس رايا، نائب مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي لمكافحة الإرهاب، إن جبار قام بتسجيلات فيديو قبل ساعات من الهجوم، أشار في بعضها إلى طلاقه. 
وقال الأب لثلاثة أطفال إنه خطط في البداية لجمع عائلته من أجل «احتفال» لقتلهم، لكنه غير رأيه بسبب مخاوف من أن التغطية الإعلامية الناتجة لن تركز على هدفه. وقال أيضًا إنه غير خططه وانضم إلى تنظيم داعش الإرهابي، بعد أن شاهد رؤيا منامية على ما يبدو.
وبعد الدهس، عثر المحققون على قنابل مشتبه فيها معبأة بالمسامير ومتفجرات من طراز C4 مخبأة في مبردين وحقيبة أرجوانية موضوعة حول الحي الفرنسي.
ـ تفجير برج ترامب والخيانة ـ 
بعد ساعات من هجوم نيو أورليانز، تم العثور على ماثيو ليفلسبرجر، وهو جندي بالجيش الأمريكي، ميتًا بعد انفجار شاحنة تسلا سايبرتراك التي كان يجلس فيها خارج فندق دونالد ترامب في لاس فيغاس. كما أصيب سبعة أشخاص في الانفجار.
وخدم كل من جبار وليفلسبرجر (37 عاماً) في قاعدة عسكرية كانت تعرف سابقاً باسم فورت براج في ولاية كارولينا الشمالية وأكملا جولاتهما في أفغانستان في نفس الوقت. ومع ذلك، قال المسؤولون الأمريكيون إنه لم يكن هناك أي تقاطع في واجباتهما. 
وتشير التقارير الإعلامية إلى أن ليفلسبرجر غادر منزله في كولورادو بعد أن دخل في مشاجرة مع زوجته بشأن الخيانة التي أدت إلى انفصالهما. ثم تفاخر جندي الجيش الأمريكي أمام صديقته السابقة، أليس أريت، بتأجير سيارة تيسلا قبل أيام من الانفجار، مدعيًا أنه شعر وكأنه باتمان، وفقًا لصحيفة دنفر جازيت.
ويُعتقد أن الجندي ملأ السيارة بقذائف هاون الألعاب النارية وعبوات وقود التخييم، ثم أطلق النار على رأسه قبل انفجار الشاحنة. وبعد أن وصل برج ترامب ظل متوقفاً لمدة 17 ثانية تقريبًا قبل الانفجار، ويبدو أنه أطلق النار على نفسه في هذه الثواني.

أخبار ذات صلة

0 تعليق