محمد العريان*
لقد شهد المشهد المالي خلال الاثني عشر شهراً الماضية تأثير ثلاث قوى رئيسية هي التفاؤل التكنولوجي المرتبط بالذكاء الاصطناعي، والآمال في تقليص الفجوة بين الأسواق، وارتفاع عوائد السندات الحكومية. ويبدو أن هذه القوى الثلاث ستستمر في لعب دورها هذا العام، ولكن بطريقة تشير إلى تقلبات أكبر وحاجة لإعادة التفكير في أساليب الاستثمار لتشمل نطاقاً أوسع من الفرص في الأسواق العامة والخاصة.
*التفاؤل بالتكنولوجيا ودورها في الإنتاجية.. ويظهر التفاؤل حول الإمكانات الإنتاجية المذهلة للابتكارات التقنية من خلال قيادة عدد قليل من الشركات لارتفاع مؤشر «إس آند بي 500» إلى مستويات قياسية متتالية. وهذا التفاؤل له ما يبرره بالنظر إلى الطرق الكثيرة التي يمكن للذكاء الاصطناعي من خلالها تحسين ما نقوم به وكيفية القيام به، إضافة إلى السرعة التي تتحقق بها هذه التطورات.
وينعكس هذا الاهتمام في الأموال الهائلة التي تُضخ في القطاع وفي التحديثات المتكررة لتقنيات الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يعترف بعض العاملين في هذا المجال بأنهم غير متأكدين من موقع التكنولوجيا في المستقبل القريب.
ومن المتوقع أن يزداد هذا التفاؤل مع التطبيق الأوسع لنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتي تعتبر تقنية متعددة الأغراض، إلى جانب التقدم في مجالات أخرى مثل الحوسبة الكمية وعلوم الحياة.
إن السنوات المقبلة ستكون حاسمة، حيث سنشهد تفاعلات بين الذكاء الاصطناعي العام، والحوسبة الكمية، وعلوم الحياة، مما قد يؤدي إلى تحولات كبرى.
*التفاوتات والآمال في تقليص الفجوة.. لقد أدى الارتفاع الحاد في أسهم قطاع التكنولوجيا إلى تباينات غير معتادة في التقييمات بين التكنولوجيا وبقية السوق، وبين الأسهم الأمريكية ونظيرتها الأجنبية، وحتى بين عوائد الأسهم والسندات. وقد أثارت هذه الفجوات توقعات بحدوث تقارب بين هذه المجالات المختلفة. لكن تحقيق هذا التقارب ليس أمراً تلقائياً.
ولكي تلحق بقية العالم بالولايات المتحدة، هناك حاجة ماسة لإصلاحات موجهة نحو النمو لتحسين الأسس الاقتصادية، خاصةً في أوروبا والصين وبعض الاقتصادات الناشئة. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، يتطلب ذلك قيادة سياسية قوية من فرنسا وألمانيا، الدولتين اللتين تواجهان تحديات سياسية داخلية.
وعلاوة على ذلك، يعتمد التقارب على إدارة السياسات بشكل جيد لتجنب الرياح المعاكسة للنمو عالمياً. ولهذا السبب، تولي الأسواق اهتماماً كبيراً للإعلانات الأمريكية وتوجهات مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
*ارتفاع عوائد السندات وتأثيره العالمي.. ارتفعت عوائد السندات الحكومية الأمريكية بسبب النشاط الاقتصادي الأقوى من المتوقع واستمرار التضخم. إضافة إلى ذلك، أدرك المستثمرون أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لن يتمكن من خفض أسعار الفائدة بالسرعة التي توقعها البعض.
إن هذا الارتفاع في العوائد الأمريكية أدى إلى ارتفاع عوائد السندات في الاقتصادات المتقدمة الأخرى، خصوصاً في المملكة المتحدة، التي تعاني تحديات داخلية تجعلها أكثر تأثراً بالتغيرات العالمية. كما تأثرت الاقتصادات الناشئة التي كانت تعتقد أنها تمتلك مجالاً واسعاً لخفض أسعار الفائدة.
وتعرقل هذه العوامل مجتمعةً التوافق الاقتصادي العالمي، حيث من المفترض أن تلحق الاقتصادات الأبطأ نمواً بالولايات المتحدة. وفي حال استمر هذا الوضع، فقد يؤدي إلى إضعاف الاقتصاد الأمريكي نفسه.
ما ينتظر الأسواق: تقلبات وتحديات جديدة.. وتشير هذه العوامل إلى احتمال حدوث تقلبات كبيرة في المستقبل، حيث إن الظروف اللازمة لضمان انتقال منظم بين الأسهم التكنولوجية والأسواق العالمية الأخرى ليست مضمونة. تُعقّد هذه الديناميكيات الداخلية من خلال عدم اليقين السياسي والجيوسياسي.
وفي هذا السياق، ينبغي على المستثمرين أن يكونوا مستعدين لتطورات جديدة في أساليب الاستثمار بدلاً من الاعتماد فقط على عودة الأمور إلى المتوسط. وعلى سبيل المثال فإن الاستثمار في موضوعات محددة، مثل الذكاء الاصطناعي، قد يتحول إلى تركيز أكبر على اختيار الأسهم الفردية بعناية.
*التركيز على الإدارة النشطة وتوسيع نطاق الاستثمار.. وفي هذا العالم، تصبح الإدارة النشطة للاستثمارات أكثر أهمية من الاستراتيجيات السلبية المعتمدة على المؤشرات. كما ينبغي للمستثمرين البحث عـــن فرص أوســـع تشمل الأسواق الخاصة مثل تمويل الديون في الاقتصادات الناشئة باستخدام تقنيات متطورة.
هناك أيضاً مجالات استثمارية واعدة مثل تمويل الدعاوى القضائية، والتي لا تتأثر بحركة السوق العامة.
إن إعادة تشكيل المشهد الاستثماري تتطلب نهجاً أكثر ديناميكية وتكيفاً مع القوى الثلاث الرئيسية: التطورات التكنولوجية، وتقليل التفاوتات بين الأسواق، وارتفاع عوائد السندات. ومع استمرار هذه العوامل في خلق التحديات والفرص، فإن المستثمرين الذين يتبنون استراتيجيات استثمار مبتكرة هم الأكثر احتمالاً لتحقيق النجاح.
* كاتب عمود والرئيس التنفيذي السابق في شركة «بيمكو» والاستاذ بكلية «كوينز» في جامعة كامبريدج (بلومبيرغ)
0 تعليق