د. رامي كمال النسور*
وصلت أسعار الذهب في 11 فبراير/شباط 2025، إلى مستويات غير مسبوقة، حيث بلغ سعر الذهب الفوري حوالي 2942.70 دولار للأوقية، مما يمثل زيادة كبيرة عن السنوات السابقة. وفي مقال سابق لي بتاريخ 10 مارس/آذار 2024 تطرقت فيه إلى توقعاتي الشخصية بشأن توجهات أسعار الذهب في عام 2024 والأسباب التي تعزز من تلك التوقعات. والحقيقة أنني توقعت أن يصل سعر الذهب إلى 3000 دولار في نهاية العام إلا أنه قد توقف عند 2606.
والآن هل سيستمر الذهب بنفس الزخم الذي وصله اليوم؟ هل سيواصل ارتفاعه ويتجاوز ال3000 دولار؟
حسب رأيي الشخصي فإن الإجابة هي نعم، وذلك لعدة أسباب، أولها استمرار التوترات الجيوسياسية خاصة ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط وأوكرانيا والسياسات التجارية وخاصة فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب والألمنيوم إلى زيادة المخاوف بشأن التضخم والحروب التجارية المحتملة، مما دفع المستثمرين إلى البحث عن الذهب كأصل آمن.
ثاني أهم الأسباب هو مشتريات البنوك المركزية، حيث استمرت البنوك المركزية، ولا سيما من الصين، في تجميع احتياطيات الذهب، مما ساهم في ارتفاع أسعار المعدن. في عام 2024، اشترت البنوك المركزية مجتمعة أكثر من 1000 طن من الذهب للعام الثالث على التوالي.
من بعدها يأتي عدم اليقين الاقتصادي ومخاوف التضخم: يتجه المستثمرون بشكل متزايد إلى الذهب للتحوط ضد عدم الاستقرار الاقتصادي وارتفاع التضخم، مدفوعاً بسياسات تجارية عدوانية وعدم اليقين المالي.
كما عكست صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة (ETFs) مثل SPDR Gold Shares (GLD) صعود المعدن، حيث أغلقت عند مستويات قياسية بعد زيادة بنسبة 1.7% مؤخراً. ويمثل هذا أطول سلسلة انتصارات أسبوعية لصندوق الاستثمار المتداول في البورصة منذ عام 2020، مما يؤكد على زيادة اهتمام المستثمرين بالأصول المدعومة بالذهب.
وبالبحث في آراء المحللين تجد أنهم لا يزالون متفائلين بشأن مسار الذهب. حيث قامت سيتي ريسيرش بمراجعة هدف السعر قصير الأجل إلى 3000 دولار للأوقية، مستشهدة بعدم اليقين الجيوسياسي المستمر والطلب القوي من البنوك المركزية. وبالمثل، يتوقع محللو «يو بي إس» أن يصل الذهب إلى 3000 دولار للأوقية في غضون الأشهر ال 12 المقبلة، مؤكدين على دوره كمخزن موثوق للقيمة وسط حالة عدم اليقين العالمية.باختصار، أدى التقاء التوترات الجيوسياسية وعمليات الاستحواذ من قبل البنوك المركزية وعدم اليقين الاقتصادي إلى دفع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية مرتفعة في عام 2025. وتظل التوقعات صعودية، مع توقعات تشير إلى مزيد من التقدير مع استمرار هذه العوامل.
ووسط تعقيدات الأسواق المالية العالمية، يقف الذهب كأصل خالد يحتفظ بجاذبيته كمخزن للقيمة وتحوط ضد عدم اليقين. سواء كان الأمر يتعلق بالتوترات الجيوسياسية، أو عدم اليقين الاقتصادي، أو الاضطرابات التكنولوجية، فمن المرجح أن يظل دور الذهب، كملاذ آمن ومتنوع للمحفظة الاستثمارية، ذا أهمية في السنوات المقبلة. على هذا النحو، سيستمر المستثمرون في التحول إلى الذهب باعتباره مرساة موثوقة في الأوقات المضطربة، وتشكيل ديناميكيات أسعاره في عام 2025 وما بعده.
وبناء على ما سبق ومع استمرار الأحداث الجيوسياسية في الشرق الأوسط والحرب الأوكرانية الروسية والتصعيد في هذه الحرب، فإنّني لا أستبعد أن نرى سعر أونصة الذهب عند 3500 دولار أو أكثر قليلاً.
*مستشار الأسواق المالية والاستدامة
0 تعليق