تطرح الهجمات المباغتة، التي شنتها فصائل مسلحة معظمها مدرج بقوائم الإرهاب، على محافظتي إدلب وحلب بالشمال السوري تساؤلات عن التوقيت والدلالات وصاحب المصلحة، في وقت تمر فيه المنطقة بظرف دقيق جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، والهدنة الهشة التي تم فرضها في لبنان خمسة أيام، فيما لا تبدو التطورات الدراماتيكية في شمال سوريا بعيدة عن الجبهات الساخنة التي تبدو لها صلة أيضاً بمجريات الصراع في أوكرانيا بسبب الدعم الروسي الكبير لدمشق.
من الواضح أن هذه التطورات تعمل على إعادة فتح الجرح السوري الذي لم يتعاف ولم يندمل بعد إثر سنوات طويلة من الحرب، التي تسللت فيها الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، وعملت على استهداف أركان الدولة السورية وتهديد سيادتها ووحدة أراضيها. ورغم ما تم إنجازه عسكرياً وأمنياً عبر استعادة الحكومة السورية السيطرة على مناطق واسعة من أراضيها، وسياسياً عبر المفاوضات، التي جرت في جنيف وأستانا، للتوافق على حل سياسي ينهي الأزمة، إلا أن بعض الأطراف والقوى الإقليمية والدولية حافظت على حساباتها الضيقة، ولم ترد الاستقرار لسوريا ولا الأمن لشعبها. وكان متوقعاً الغاية من إبقاء الوضع دون حل، وهي تفجيره في اللحظة التي تفرضها بعض المصالح والأجندات الخبيثة.
من اللافت للانتباه أن هجمات الفصائل تزامنت في نفس الساعة تقريباً مع سريان الهدنة بين لبنان وإسرائيل، التي قال عنها رئيس وزراء تل أبيب بنيامين نتنياهو إنه قبل الهدنة لعدة دواع منها «أسباب سرية» لم يكشف عنها. وغير مستبعد أن يكون من تلك الأسباب الرهان على تفجير الأوضاع في سوريا التي ظلت تتعرض على مدار الفترة الماضية لضربات إسرائيلية شبه يومية بحجة استهداف «أذرع إيران» في المنطقة.
الوضع في سوريا سيظل خطراً إذا لم تتحرك القوى الفاعلة لتطويقه قبل فوات الأوان، فهذه المشكلة يجب أن تحل وفق القواعد المتعارف عليها يما يحفظ وحدة سوريا واستقرارها، وبمكافحة الإرهاب لا بدعمه، ومثلما قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، قبل أسابيع، فإن سوريا تتأرجح على حافة «عاصفة عسكرية وإنسانية واقتصادية»، وإن العنف المتصاعد ينذر بأسوأ العواقب ويشكل امتداداً خطراً للنزاعات القائمة في غزة ولبنان والتي ما زالت تهدد بإشعال المنطقة.
0 تعليق